13 سبتمبر 2025
تسجيلتحدثنا في المقال الفائت عن الدعاء وفضله، وكيف حث القرآن وأرشدت السنة إلى التمسك به والحرص عليه، وبقي سؤال نريد أن نتمم به الحديث الفائت:كثير من الناس يدعو فيقبل الله دعاءهم، ويستجيب منهم، وكثير كذلك يدعو ويجتهد في الدعاء ولا يتقبل الله منه، والسؤال لماذا لا يتقبل الله الدعاء وقد وعد بالإجابة في قوله تعالى: " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ " لماذا لا يستجيب الله من البعض وقد قال جل شأنه: " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "؟والجواب على ذلك قائم وموجود، ولكن قبل الجواب نحب أن نقول: إن الدعاء كله عند تحقق شروطه وضوابطه مستجاب قطعا فقد وعد ربنا بذلك" وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا " ومن أصدق من الله حديثا! فإذا قال ربنا قولاً فقوله الفصل وقوله الحق، أما الوجوه التي ذكرها أهل العلم فعلى النحو التالي:أولا: الدعاء بضوابطه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن لها مواطن ثلاثة فقال " ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم:— إما أن تعجل له دعوته.— أو يصرف عنه من السوء مثلها.— أو يدخر له الجواب إلى يوم القيامة.فقد يعطى الله العبد سؤله، وإذا لم يعط فليعلم أن بلاء رفعه الله عنه بهذا الدعاء أو أن الله ادخره له بين يديه.ثانيا: قد يؤخر الله الإجابة لحكمة: والتاريخ يخبرنا عن ذلك حتى مع أنبياء الله عز وجل، فيعقوب دعا ربه سنوات أن يُرد ولده يوسف إليه، وأخر الله دعوته لكنه رده إليه رداً جميلاً!والخليل إبراهيم عليه السلام دعا ربه أن يرزقه بذرية صالحة فكان أغلب حياته عقيماً كان أغلب حياته لا يُرزَق بالولد ورُزق به في آخر العمر لذا قال " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ"ثالثا: أن اللفظ المطلق في قوله تعالى " أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ " قيد في آية أخرى.. إذ الله قال " بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ " فرجع الأمر إلى مشيئته.رابعا: ان العبد قد يدعو بالشر دون أن يدري، فالإنسان قاصر الفهم وقد يدعو بما فيه ضرره، والله يعلم أين الخير فيعطيه الخير الذي لم يدع به، ويمنع عنه الشر الذي لهج بالدعاء به، وهذا من رحمة الله عز وجل.وخير شاهد على ذلك: الغلام الذي قتله الخضر، فقد كان ولدا وسيما كما في بعض الروايات، وحين مات الولد بكت أمه عليه بكاء مرا، وما علما أنه لو عاش لأرهقهما طغياناً وكفرا.خامسا: قد يسأل العبد ربه فيختار الله له ببركة دعائه أفضل من اختياره هو، وأبرك مما سأل به ربه، ولا أدل على ذلك من قصة أم موسى فقد كانت غاية ما تتمنى أن يسلم الله وليدها من شرار آل فرعون وجنده، ولكن الله حفظه ورباه في بيت الجبابرة، وكرمت أمه بسببه، وأعطاها الله أفضل مما سألت وخيراً مما سألت.سادسا: قد يتأخر الجواب لأن الله يريد أن يطيل أمد التجاء العبد إليه، وتضرعه لديه، ليرفع درجته، ويزداد ثوابهوأخيرا: قد يتأخر الجواب حتى يراجع العبد نفسه، فيسأل لماذا لم يستجب الله لي؟ ليدرك أنه قد ظلم يوما ما فيتحلل من ظالمه، أو أخذ مالا بغير وجه حق فيرده إلى صاحبه وهكذا.ورحم الله الشافعي حين قال:أَتَهْزَأُ بِالدُّعَاءِ وَتَزْدَرِيهِ *****وَمَا تَدْرِي بِما صَنَعَ الدُّعَاءُسِهَامُ اللَّيلِ لا تُخْطِي وَلَكِنْ***** لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُوختاما: الدعاء إذا ما استوفى شروطه وآدابه هو كنز سمين وسهم صائب وذخر بين يديك يوم العرض على مولاك، نسأل الله أن يزيدنا من الخير فوق ما سألنا، وأن يرفع درجتنا فوق ما نطلب، وأن يجعل مقامنا بجوار النبي محمد.