14 سبتمبر 2025

تسجيل

أعلام وأفكار (5)

08 يوليو 2015

هذا هو المقال الأخير في فقرة التكفير ، والتي أفردنا لها ثلاث مقالات ، وقد ذكرنا في المقال السابق الضوابط التي وضعها الإسلام حتى لا يُظلم مسلم ولا يعتدي عليه أحد بالتكفير، وكان الضابط الأول : القصد والثاني قيام الحجة على القائل. وأما الضابط الثالث فهو انتفاء الموانع التي تحول دون لزوم الحكم عليه، ومن تلك المسائل:1- بالغاً: فلا يتّجه التكليف إلى الإنسان ـ رجلا كان أو امرأةً ـ إلاّ إذا بلغ2- عاقلاً: فلا تكليف للمجنون، أو الأبلَه الذى لا يدرك الواضحات; لبلاهته وقصور عقله، فعن عائشة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:"رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثٍ، عَنِ النّائِمِ حَتّى يَسْتَيقِظَ، وَعَنِ الصّبِيّ حَتّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتّى يَعْقِل"3- مختاراً غير مكره. يقول الله سبحانه وتعالى: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} وقد نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون ليكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فقال ما أرادوه بلسانه مكرهاً، وجاء معتذراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ويدل كذلك على عدم المؤاخذة على أفعال المكره ما جاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".4- مراعاة حال القائل، والقول أو الفعل المراد تكفيره عليه، فيراعى في القائل حاله من حيث قرب عهده من الإسلام أو قدمه فيه، ومن حيث انتشار العلم في بلدانهم أو قصوره عنها. ويراعى في القول أو الفعل: أن يكون ظاهرا واضحا غير مخفي، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:" يراعى حال السُّنَّة التي جحدها الجاحد، من حيث ظهورها وخفاؤها فقد ينكر أحد القائلين على القائل الآخر قوله إنكارًا يجعله كافرًا، أو مبتدعًا فاسقًا، يستحق الهجر، وإن لم يستحق ذلك، وهو أيضًا اجتهادٌ، وقد يكون ذلك التغليظ صحيحًا في بعض الأشخاص، أو بعض الأحوال، لظهور السنة التي يكفر من خالفها، ولما في القول الآخر من المفسدةِ التي تُبدع قائلها، فهذه أمور ينبغي أن يعرفها العاقل، فإن القول الصدق إذا قيل، فإن صفته الثبوتية اللازمة أن يكون مطابقًا للمخبر، أما كونه عند المستمع معلومًا أو مظنونًا، أو مجهولا أو قطعيا أو ظنيا، أو يجب قبوله أو يحرم، أو يكفر جاحدُه أو لا يكفر، فهذه أحكام عمليةٌ تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فإذا رأيت إمامًا قد غلَّظ على قائل مقالته أو كفَّره فيها، فلا يعتبر هذا حكما عاما في كل مَن قالها، إلا إذا حصل فيه الشرط الذى يستحق به التغليظ عليه، والتكفير به، فإن من جحد شيئًا من الشرائع الظاهرة، وكان حديث العهد بالإسلام، أو ناشئًا ببلد جهلٍ، لا يُكفر حتى تبلغه الحجة النبوية".وهذه الضوابط إنما وضعت حتى لا يكون هناك شبهة شك في التكفير، بل لابد أن يكون البرهان في سطوع الشمس كما قال الإمام الشوكاني(1250هـ):"اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقدم عليه، إلا ببرهان أوضح من شمس النهار"