27 أكتوبر 2025
تسجيلبمناسبة قرب صدور طبعة جديدة من "قلم زينب"، أحد كتب السيرة، التي كتبتها منذ فترة، أنشر هذا المقطع، وتبدو فيه شخصية عواطف المهتزة، والتي تسمى نفسها إدريس.لم يتردد اسم (إدريس علي) في الأجواء تلك الأيام، سوى مرة واحدة فقط، ولم يكن اسم محتالي الخفي، ولكن اسم تلك المرأة المسترجلة عواطف علي، حين جاءت إلى عيادتي مرة، سجَّلت اسمها الرجالي على دفتر عز الدين، ودخلت بخطوات سريعة، لتجلس أمامي وتسألني مباشرة عن عمليات تغيير الجنس التي سمعت عنها من بعض الناس، وإن كانت ستفيد في حالتها؟تأملت شاربها المرسوم بعناية، ولحيتها الخفيفة التي أضافت رسمها مؤخرًا، وشعرها القصير المقصوص حتى جذوره، حين نزعت العمامة وكشفته أمامي، وتحسرت.. هذه أيضًا قصة محزنة، ومجنونة أخرى في عالم يضج بالمجانين، الأنثى الكاملة حين تغدو رجلًا ناقصًا، المرأة بمشاعر لا تمت للمرأة بصلة، والبؤس في كل شيء، ليس مسألة عيب جيني بحاجة إلى تعديل، ولكن سلوكًا غريبًا، ومستهجنًا، وبحاجة إلى طبيب نفسي بارع حتى يعيد الأمور إلى نصابها..- لماذا يا عواطف؟- لا تقل عواطف من فضلك.. أنا إدريس.نهرتني بصوت لا يملكه حتى أكثر الرجال خشونة، ولا بد أنها تدربت تدريبًا شاقًا حتى أجادته، كانت تضع ساقًا على ساق، وتهزهز حذاء جلد النمر على قدمها اليمني، وثمة تجاعيد غاضبة في وجهها المصنوع. تغاضيت عن صوتها الكبير، وقررت محاورتها تمضية للوقت، ولم يكن بالعيادة مرضى آخرون في تلك الساعة.- ولماذا يسعى إدريس لتغيير جنسه بالعمليات ما دام هو إدريس؟- ظننتك متفتحًا بفضل تعليمك العالي، لكنك مثل العامة سكان حي النور، أنا أتبع مشاعري وليس جسدي، مشاعري هي مشاعر إدريس، وإن وجدت طريقة لأصبح إدريسًا كاملًا سأفعل.. فقط أخبرني من دون فلسفة.. هل هذا ممكن؟- غير ممكن.أخبرتها بصوت قاطع، وشرحت لها الخواص الفسيولوجية والجسدية التي تملكها بفعل خلقها، ولا يمكن العبث بها على الإطلاق، كما أنها مسلمة، ويتوقع أن تتبع دينها الحنيف الذي ينهي عن هذا السلوك. وكانت تعرف ذلك جيدًا، وتمعن في تمرير أصابعها على الشارب المرسوم واللحية الصغيرة، وتهزهز حذاء جلد النمر أمام وجهي، وتستسخف كلامي الذي اعتبرته موعظة بلا معنى، وليس كلام طبيب، ولا أجد لها حلًا حتى نهضت غاضبة، وهي تشتم، وتقسم ألا تأتي إلى عيادتي مرة أخرى أبدًا، وتحرّض معارفها، ألا يأتون.