11 سبتمبر 2025

تسجيل

عائد من عُمان

08 يونيو 2022

أتاحت لي زيارة سلطنة عُمان وبدعوة كريمة من جمعية الصحفيين العمانية أن أتعرف على الجانب الإعلامي، والذي لم أكن قد تعرفت عليه من زمن طويل، كنت أعرف إعلام عمان عبر بعض صحفها وتلفزيونها ومجلة نزوى الثقافية، ولكن خلال تواجدي هناك هالني ما شاهدته من انتشار الإعلام الخاص وتدفق عشرات من الشباب ومن الجنسين العاملين في هذا الحقل، وسهوله التواصل معهم وبينهم، كما لمست قوة "جمعية الصحفيين العمانية" ومدى ما تحظى به من تقدير دولي تمثل في احتضانها لاجتماعات الجمعية العمومية للاتحاد الدولي للصحافة العالمية "IFJ“، والذي عقد الكونجرس الخاص به رقم 31 في الفترة ما بين 31 مايو حتى 3 يونيو 2022 م، لتكون مسقط أول عاصمة في تاريخ الشرق الأوسط تحتضن هذا الحدث، وثاني دولة عربية بعد تونس تنال شرف تنظيم هذا المؤتمر، وهي خطوة تحسب للقيادة العمانية، والتي أعطت الجمعية صلاحية مثل هذا العمل المميز، ومن الصدف العجيبة أن وقت المؤتمر جاء بعد استشهاد الزميلة "شيرين أبو عاقلة" على أيادي القوات الصهيونية في القدس، لتتحول جلسات المؤتمر وكأنها حفل تأبين للراحلة، بل وقف الجميع، في حفل الافتتاح، دقيقة صمت حداداً على روحها الطاهرة، وليعلن المؤتمر تضامنه معها ومع كل الزملاء والزميلات الذين يقدمون أرواحهم فداء للعمل الصحفي النزيه، ليس لأجل شيء سوى لنقل الحقيقة للمتابع. وكأني بالمؤتمر والقائمين عليه يدركون أن مثل هذه اللحظات التاريخية يجب أن تجسد التضامن مع أرباب الكلمة وحملة القلم أو العدسة أو الكاميرا التلفزيونية أو الميكرفون الإذاعي، ما دام صاحبه يسعى للوصول بالمتلقي للحقيقة كما يعرفها عن قرب. لقد بذل إخواني وأخواتي رئيس وأعضاء جمعية الصحفيين العمانية الكثير من الجهد والعطاء من أجل إنجاح هذا الجمع الكبير، واعتقد بأنهم وفقوا في ذلك بل كان كرمهم وتقديرهم لنا جميعاً أكبر مما توقعت، وزاد من ذلك اطلاعي عن قرب على ما تتمتع به وسائل الإعلام العُمانية من حرية مسؤولة تتوازن مع ثبات القيم والبعد عن المهاترات والشخصنة، والاعتماد على النقد الموضوعي والهادف، وهذا النهج الصحيح، والذي يجب أن تسلكه أي وسيلة إعلامية ويتبناه أي كاتب أو صحفي،، ثم رغم كل ذلك فإن وزارة الإعلام العمانية حافظت على صحيفتها الحكومية "جريدة عُمان" والتي ما زالت تصدر بصورة يومية وتحتضن عشرات من الكوادر المحلية، وهذا في رأيي عين الصواب، فالدولة يجب أن يكون لها صوتها الخاص والمعبر عن رؤيتها، وتتبنى من خلالها المواهب الوطنية لتفسح لها المجال للكتابة وتعلم فنون الصحافة والإعلام، ثم لتكون هذه الصحيفة "مدرسة" يتخرج فيها صحفيون وكتاب وفنيون من مختلف قطاعات الإعلام، مع توافر الضمان المستقبلي لهم، وهذا ما أتمنى أن يكون نهجاً في دولنا، بدلاً من ترك الموضوع للقطاع الخاص والذي يتأثر كثيراً بالوضع الاقتصادي حسب ظروف السوق وطبيعته. كما كانت هذه فرصة لأن نلتقي مع العديد من الصحفيين والكتاب ومن مختلف أقطار العالم، حيث دار نقاش حيوي ومهم حول ما يتعرض له بعض الصحفيين من مضايقات وتعرضهم للاعتقال أو القتل، وكان لي أن أصف هذا المؤتمر بأنه "مؤتمر شيرين أبو عاقلة". كما أجدها مناسبة لأن اغتنم فرصة وجودي هناك لأزور أيقونة مسقط الرائعة والمتمثلة في "دار الأوبرا السلطانية"، التي شيدت في عهد السلطان قابوس بن سعيد، رحمه الله، والتي تعد واحدةً من أجمل دور الأوبرا في العالم ويزورها سنوياً عشرات الآلاف من عشاق الفن والموسيقى، ونلنا أنا وزملائي فرصة الاستماع لبعض المعزوفات الموسيقية، التي دمجت بين التراث العربي والموسيقى الغربية، بقيادة عمانية كان قائدها الموسيقار العُماني "حمدان الشعيلي" مع كادر عماني بالكامل، وهذا بحد ذاته مكسب كبير تمكنت السلطنة من تحقيقه في زمن قياسي، لتكون هذه الأوبرا عمانية في كل شيء، وهي فرصة لزوار عُمان لأن يطلعوا عليها،، كما أتاحت لي اللجنة المشرفة على الحفل زيارة متحف عُمان التاريخي. وللحديث عن تاريخ عُمان فإن الموضوع يحتاج لصفحات عدة، فتاريخها زاهر منذ مئات السنين، ومن يقرأ عنه سيعرف الكثير من القصص والروايات الخالدة في التاريخ العربي، ولكن ما لفت نظري في المتحف أنه احتوى على بعض المقتنيات الشخصية للأسرة الحاكمة، فقد شاهدت الوصية التي كتبها السلطان قابوس رحمه الله، والتي أوصى فيها أن يتسلم زمام الحكم من بعده، في حالة عدم الاتفاق على أحد من الأسرة، بأن يكون السلطان هيثم بن طارق بن تيمور، هو سلطان البلاد، وقد كتب الاسم بالخط الأحمر وتوقيع السلطان قابوس باللون الأحمر، وقد شهد العالم فتح الوصية عبر شاشة التلفزيون. كما وجدت الرسالة، والتي كنت قد سمعت عنها كثيراً دون أن أتأكد من صحتها، في المتحف وهي التي بعثها السلطان سعيد بن تيمور والد السلطان قابوس، بعد عزله وهي تحتوي على عبارات إنسانية جميلة تختلج فيها مشاعر الأبوة والحب الأصيل بين الأب وابنه مصحوبة بنقل تحياته لوالدته "زوجة السلطان سعيد وابنته شقيقة السلطان قابوس" رحمهم الله جميعاً. وأطرف ما في الزيارة، حدث لي شخصياً، في الحوار التلفزيوني الذي أجرته معي المذيعة الشابة "سميرة الحراث"، كنت أتوقع أن يكون الحوار عن المؤتمر وظروفه وعن مسيرتي الإعلامية وعن كأس العالم 2022 م وغيرها من المواضيع والتي تتناسب مع مسيرتي في الحياة، ولكن كانت المفاجأة بأن جزءاً من الأسئلة يتعلق بعلاقتي مع جلالة السلطان هيثم بن طارق لكوني أول من كتب عنه عندما ترأس الاتحاد العماني لكرة القدم عام ١٩٨٦م، وطُلب مني أن أتحدث عن تلك اللحظات التي ما زلت اذكرها، والشيء الجميل هو أريحية المذيعة وهي تسأل وتحرجني أنا في الإجابة، لأن الحديث عن الحكام في وسائل الإعلام ليس بالأمر السهل، بل يجب أن يكون مقنناً ومختصراً قدر الإمكان، ولكن هي عُمان بإعلامها الجميل الواسع الحرية المتدفق معلومات، والذي يريد أن يصل لقلب وعقل المتلقي، لا يجد في ذلك أي حرج بل يزيده افتخاراً بقائده وشعبه. كل الشكر لمن أتاح لي هذه الفرصة للتعرف على الكثير من زملاء المهنة من مختلف دول العالم، ولطبيعة عمل ومهمة الاتحاد الدولي للصحافة العالمية، والشكر كل الشكر لإخواني في وزارة الإعلام ولجنة الصحفيين في عُمان على هذه البادرة الكريمة. وإذا كان الشكر لمن يستحقه فلا أنسى أن أقدم كل الشكر والتقدير لسعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة على تسهيل مهمة سفري لحضور هذا المنتدى الجميل، وقد تشرفت بصحبة زميلي العزيز الأستاذ جابر الحرمي والزميلة العزيزة الصحفية النشطة فوزية علي. * رئيس المركز القطري للصحافة