16 سبتمبر 2025

تسجيل

وجوب العدل مع غير المسلم

08 مايو 2012

في السيرة كثير من المواقف التي تشهد بإقامة العدل مع غير المسلمين من غير جور عليهم ومن ذلك ما ثبت في الصحيح من قتل يهود خيبر رجلاً من الأنصار، وذهابهم إلى رسول الله بلا بينة، وما حكم النبي على اليهود، فعن بشير بن يسار: أن نفراً من قومه انطلقوا إلى خيبر، فتفرقوا فيها، ووجدوا أحدهم قتيلاً، وقالوا للذي وجد فيهم: قد قتلتم صاحبنا، قالوا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً، فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، انطلقنا إلى خيبر، فوجدنا أحدنا قتيلاً، فقال: "الكبر الكبر" فقال لهم: "تأتون بالبينة على من قتله" قالوا: ما لنا بينة، قال: "فيحلفون" قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه، فَوَدَاهُ مائة من إبل الصدقة فمع أن الأدلة راجحة وقتل اليهود للأنصاري أمر غالب على الظن، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يحكم عليهم لانتفاء الأدلة القاطعة، وتحمل الإسلام خسارة رجل من المسلمين، وخسارة أموال دفعت من بيت ماله في سبيل إحقاق الحق وعدم الجور. اهتداء لنور قوله تعالي: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} وقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وقد قال النبي — صلى الله عليه وسلم — لأهل نجران أنه: "لا يؤخذ منهم رجل بظلمِ آخر" ومن الأمثلة البارزة كذلك ما حدث من عمرو بن أمية الضمري، بعد حادثة بئر معونة، فقد روى البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم "أتاه رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لَحْيَانَ فزعموا أنهم قد أسلموا، واستمدوه على قومهم، فأمدهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين من الأنصار، قال أنس: كنا نسميهم: القراء، يحطبون بالنهار ويصلون بالليل، فانطلقوا بهم، حتى بلغوا بئر معونة، غدروا بهم وقتلوهم، فقنت شهراً يدعو على رعل، وذكوان، وبني لحيان". ولقد كانت مصيبة أصابت المسلمين، ومات فيها غدراً سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان وقع الأمر على رسول الله شديدا، يدل على ذلك ما كان من حاله حيث ظل شهراً كاملاً يدعو على أهل الغدر، على غير عادة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينج من الواقعة إلا عمرو بن أمية الضمري، الذي أعتقه عامر بن الطفيل لرقبة كانت على أمه، وبينما عمرو بن أمية في طريقه إلى المدينة، صادف رجلين من بني عامر، معهما عقد وجوار من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يعلم به عمرو، فلما ناما قتلهما عمرو، وظن أنه ظفر ببعض ثأر أصحابه، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره فقال: "لقد قتلت قتيلين، لأودينهما". وتحمُّل النبي صلى الله عليه وسلم الدية، دليل على أنه لم يعمم عليهما خطأ قبيلتهما وإن بلغ الجرم قتلهم سبعين من أصحابه صلى الله عليه وسلم. وقد راعى الصحابة رضوان الله عليهم هذا المبدأ، فلم يرد عنهم أنهم ظلموا ذمياً، أو سلبوا ماله، بل حافظوا على حقوقهم من الاعتداء عليها، أو النيل منها بغير وجه حق، سواء أكان هذا الاعتداء من المسلمين أو من غيرهم، حفاظا على حقوقهم التي كفلها الإسلام لهم وإن خالفوهم في الدين. فعندما بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عبد الله بن رواحة إلى خيبر ليخرص لهم الثّمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال عبد اللّه: "يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق إليّ، قتلتم أنبياء اللّه — عزّ وجلّ —، وكذبتم على اللّه، وليس يحملني بغضي إيّاكم على أن أحيف عليكم. فقال اليهود: بهذا قامت السّموات والأرض". قال ابن عبد البرّ: "وفيه أنّ المؤمن وإن أبغض في اللّه لا يحمله بغضه على ظلم من أبغضه". وهذا عدل المسلم مع من يحب، وعدل المسلم مع من يكره، لا تدفعه عاطفة الحب إلى المحاباة بالباطل، ولا تمنعه عاطفة الكره من الإنصاف وإعطاء الحق لمن يستحق وهذا هو قانون العدل الإلهي الذي لا يعرف شيئًا من الظلم ولا المحاباة لأحد، بل الخلق أمامه سواء: كل امرئ رهين بعمله، ومن يعمل سوءًا أو حسنًا يُجزَ به.