11 سبتمبر 2025

تسجيل

من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه

08 أبريل 2024

الاستعجال طبيعة إنسانية وحقيقة أقرها الله عز وجل بقوله «خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ»، ولكن هذه الطبيعة تحتاج إلى ضبط وتوجيه؛ حتى لا تتحول إلى طاقة سلبية، قد يصل ضررها إلى تدمير الإنسان؛ لذا عقَّب الله عز وجل في الحديث عنها بقوله «سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ»، وهو ما يبدو جليًّا في الشهوات التي هي في طبيعة البشر، وبدون ضبطها تكون كارثة؛ لذا هذبها الله بالصبر من خلال الصوم. من هذا المنطلق كانت القاعدة الفقهية التي تنص على أن «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه». والمقصود بتعجل الشيء هو غير المباح وقتها كما أوضحه كثير من العلماء كابن رجب والشيخ السعدي، كالرزق مثلاً قد يتعجله البعض بطرق حرام، فتكون النتيجة أنه يبوء بالخسران مع حرمانه، رغم أنه لو صبر، لجاء رزقه طيباً حلالاً. ولخطورة الاستعجال حذر الله عز وجل منه بقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، حيث إن هذا الاستعجال إساءة أدب مع الله، والمؤمن يجب أن يكون واثقاً بالله. وجاء في سبب نزول هذه الآية حسبما ذكر الشعبي والحسن البصري وبعض العلماء أن قوماً تعجلوا بذبح الأضحية قبل أن يصلي الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة عيد الأضحى، فكانت عاقبة استعجالهم أن حُرموا من الأجر، وأُمروا بأن يذبحوا مرة أخرى. وهكذا نجد أن الشرع في تعامله مع المستعجلين تعامل بالشدة، وجازى بعكس المقصود، وأوجب الحرمان منه جزاء الاستعجال؛ لأن كل أمر في الشرع له وقته الذي لا يجوز استعجاله، فالثمرة إذا قُطفت قبل أوانها فإنها لن تكون شهية، بل قد تكون ضارة بالصحة. فإذا أباح الشرع لأحد شيئاً، وتأخر وقته، فليس من الأدب استعجاله بطرق محرمة أو ملتوية؛ لأن عقاب الاستعجال سيكون الحرمان مما هو مباح؛ لأنه وقع في الحرام بسبب استعجاله؛ حيث إن استعجاله أوقعه في إثمين، الأول هو سلوك مسلك حرام، والثاني التحايل على الشرع؛ لذا فإن عقابه يكون الحرمان، وهذا هو عين العدل. ومن هذه القاعدة تم إرساء كثير من العدل، وأقرب مثال هو حرمان القاتل من الميراث؛ لأنه استعجل الميراث الذي هو حقه، وقتل الوارث؛ لذا طبيعي جدًّا أن يُحرَم من حقه في الورث؛ لارتكابه جريمة بسبب الاستعجال، وكذلك الوصية التي لا يُؤخذ بها حال قتل الموصَى له للواصي؛ استعجالاً للوصية. ويندرج تحت هذه القاعدة مصطلح فقهي، وهو «الغلول»، والمقصود به أخذ الغنيمة التي هي حق قبل تقسيمها. وحتى تتضح أهمية هذه القاعدة، وندرك عواقبها في المعاملات التي لا تلتزم بالشرع، لنتخيل أن شخصاً اقترض مبلغاً فوق طاقته، وهذا القرض في الغالب عن طريق الربا المحرم؛ وبالتالي يعجز عن سداده، فيضطر إلى اقتراض مبلغ آخر؛ ليسدد منه القرض الأول، ويدخل في سلسلة من القروض، ماذا يكون مصيره؟ مؤكد سينتهي أمره بالسجن؛ لذا شدد الإسلام من عقوبة الاستعجال؛ لوقاية الإنسان من كارثة قد يغفل عنها. وفي المقابل من منع نفسه من شيء كانت تشتهيه نفسه مخافة الله، فإن الله عز وجل يعوضه بأفضل منه في الدارين، فيشرح صدره بالإيمان والرضا، ويبارك له في رزقه وأبنائه وصحته، ثم يكون له في الآخرة أجر عظيم لا يمكن أن يخطر بباله، فيفوز بالمكافأة مرتين كما يُحرم المتعجل من الشيء الذي كان حقه لو أنه صبر. الخلاصة أن هذه القاعدة لم توضع هباء، وإنما لحكمة يعملها الله، الذي خلق النفوس، ويعلم طبيعتها وما يصلحها، فمن كان مؤمناً حقًّا، فسيجعل بينه وبين الاستعجال بُعد المشرقين؛ ليفوز بالأجرين في الدنيا والآخرة، وينعم برضا الله.