12 سبتمبر 2025

تسجيل

يا حافر اللحد لا تعجل على أمي

08 أبريل 2015

هي أمنية والأماني مستحيلات، ليس تسخطا على القدر، فما عند الله خير للصالحات، ولكنها أهازيج نفس حبيسة، وكلوم صدر مكتومة، وآهات غائرة، وزفرات متتابعة، القلب فيها يحزن، والعين لها تدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا لفراقك يا أمي لمحزونون لمحزونون لمحزونون.الآن يا أماه انتهى أمل لقائي أنا بك، وحديثي العذب إليك، وحنيني إلى قول ما يسرك حتى تبتسمي، وفعل ما يريحك لأجل أن تسعدي، كم أفتقدك يا أمي ولم يمض على رحيلك سوى أيام. رحلتِ عنا في هدوء كحياتك معنا تماما، أياليت الموت تخطاك إليّ، والبأس الذي قصدك كان قد وقع عليّ. أحِنّ إلى الكأسِ التي شرِبَتْ بها.......وأهوى لمَثواها التّرابَ وما ضَمّا بَكَيْتُ عَلَيها خِيفَةً في حَياتِها.......وذاقَ كِلانا ثُكْلَ صاحِبِهِ قِدْمَا وما انسَدّتِ الدّنْيا عليّ لضِيقِهَا........ولكنَّ طَرْفاً لا أراكِ بهِ أعمَى فَوَا أسَفا ألاّ أُكِبَّ مُقَبِّلاً.........لرَأسِكِ والصّدْرِ اللّذَيْ مُلِئا حزْمَا وألاّ أُلاقي روحَكِ الطّيّبَ الذي..........كأنّ ذكيّ المِسكِ كانَ له جسمَا كنتِ نهر الحنان الذي لا ينضب، وبسمة الأمل التي لا تغيب، وشعاع النور الذي لا تزيحه الليالي، كنت السعادة التي نرقب بها الحياة، والأنس الذي نأمن عنده عند الفزع، والبلسم الذي يداوي كل الجراح، تجتاحنا الهموم من كل حدب وصوب، وإذا بسهام الليل منك ترسليها إلى الله عز وجل فتنقشع الهموم وتزال الغيوم وتنقلب الأتراح إلى أفراح.أحيانا يا أمي حين أجلس مع نفسي تجتاحني خواطر آثمة، ويلح على سمعي أصوات قاتمة تتحدث بضجيج عال: هل حقا ماتت أمك؟ هل حقا رحلت عنك؟ لم لا يكون هذا حلما قاسيا أو كابوسا قاتما، يوشك أن أستيقظ منه؟ يخاطبني الشيطان بقسوة كل يوم خاصة بعد صلاة الفجر حيث كانت العادة: كوب من الماء دافئ محلى بالعسل الجبلي أتلذذ بصنعه وأقدمه إليك بكل شوق، ويبلغ الفرح عندي مبلغه حين أسمع دعائك البسيط العميق (ربنا يسترك في الدنيا والآخرة ويبارك لك في أولادك) كم كنت أشعر بالأمان بجوارك يا حبيبتي وأنا أنظر إليك وأتطلع عليك وأستمتع منك، ولكن انقطع الرجاء في صنع ما كنت أصنع أو سماع ما كنت أسمع أو رؤية من كنت أراها! فقد وراك اللحد عني يا أمي. يا ساكن اللحد صار اللحد رضوانا لما حواك وصار الدمع طوفانا وأغرب الحسن والإحسان عن بلدٍ كانت تسميك فيه الناس حسانا أين الأحبة والخلان يا أمي وأين من خلتهم في الضيق أعوانا غابوا وغبت ودام القلب في حرق لو مس ماء الحيا أجراه نيرانا يُمثِّلُ البارق العلويُّ ثغرَك لي فيقلب المدمعَ الدريَّ مرجانا يا بهجة العمر ما للعمر بعدك من عيشٍ ألذ به سرّاً وأعلانا يا أطيب الناس أخلاقاً وأمنعهم جاراً وأرفعهم للمجد بنيانا قد أصبح الموت عندي مركباً سهلاً فلا أحاذره إن غاب أو دانى خير التعازي لنا تقواك يا ولدي فقد أعدَّت لك الفردوس إيوانا نعم، خير التعازي عندي تقواك يا أمي ، خير التعازي عندي أنك الآن عند الكريم الرحمن الرحيم الودود الذي كنت تشتاقين للذهاب إلى بيته ، وحين وصلت هناك تمنيت تقبيل الحجر الأسود ويسر الله لك الأمر وكنت أرقت دموعك تنساب هناك ولن يخزيك الله يا أمي ، خير التعازي أنك اليوم عند من كنت تحبي لقاءه وقد قال صلى الله عليه وسلم :" من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه"، خير التعازي أنك إلى آخر يوم كنت مع الله مؤمنة به راضية بقضائه مستبشرة بعطائه، خير التعازي أن وردك من قيام الليل لم ينقطع وما حال بينكما إلا تلك الغيبوبة، خير التعازي أنك مبطونة والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المبطون شهيد فقال صلى الله عليه وسلم : " الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: " ‏الْمَطْعُونُ ‏شَهِيدٌ..." خير التعازي أنك لم تموتي بأرض مقامك وبلدك وقد ورد عن عبد الله بن عمرو قال: مات رجل بالمدينة ممن ولد بها، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا ليته مات بغير مولده. قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة." والمعنى كما يرى الإمام السندي: "يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مُنْتَهَى سَفَرِهِ وَمَشْيِهِ (فِي الْجَنَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِـ (قِيسَ) ، وَظَاهِرُهُ أَنْ يُعْطَى لَهُ فِي الْجَنَّةِ هَذَا القَدر؛ لأَجْلِ مَوْتِهِ غَرِيبًا . وَقِيلَ : الْمُرَادُ أَنْ يُفْسَحَ لَهُ فِي قَبْرِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ " قلت : وليس بعيدا عن الله أن يكون للاثنين معا .وصيتي لكل من يقرأ وله على ظهر الحياة أم باقية، أن يحسن إليها فوق جهده، وأن يبذل لها قدر استطاعته وأن يدركها قبل الفوات، وأن يلزم قدمها فتلك والله جنان الله في الأرض، وأن يكثر من الحديث إليها قبل أن يأتي ذلك اليوم الذي يتمني سماع كلمة واحدة منها ولكن هيهات.وأما من ابتلاه الله مثلي بفقدها فلا زال البر قائما : لا تقطع عنها الدعاء ، ولا توقف عنها الصدقات وصل من كانت تحب هي صلتهم، وأجري من الخير ما كانت تجريه .أسأل الله أن يرحم جميع موتى المسلمين رحمة واسعة، وأن يغفر لك يا أمي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وأن يرزقك الفردوس الأعلى منة منه وفضلا . اللهم أنها كانت عندنا ونحن الفقراء إليك فأكرمناها فكيف وهي في رحابك وأنت أجود من أعطى وأكرم من سأل، اللهم يارب كل شيء ويا مالكا لكل شيء ويا مقتدرا على كل شيء اغفر لأمي كل شيء ولا تسألها بين يديك عن شيء .