11 سبتمبر 2025

تسجيل

جوهر السعادة

08 مارس 2022

الفكرة التي يقضي الكثير من الناس حياتهم دون معرفتها هي أن السعادة ليست المصب ولا النهاية، هي المنبع والبداية، وأن السعادة ليست وجهة ولا رحلة، هي جزء من الوجهة وجزء من الرحلة. السعادة شعور من جزءين، الجزء الأول يبدأ من داخل الانسان، من قناعته ومن اكتفائه ورضاه بنفسه وبما هو فيه. هذا الجزء من السعادة هو الأول والأهم و الأبقى. هو إحساس الشخص برضاه عن نفسه في عالمه وبين ناسه وبيئته دون سخط على الدنيا والناس والقدر، ودون أن يقارن نفسه بمن هم أفضل منه حالاً أو مالاً أو نسباً أو حسباً. يصل المرء إلى هذا الإحساس عبر استسلامه للواقع وتسليمه لتدبيرات الرب.. فكل انسان وُلد في بيئة ولعائلة لم يخترها، وعليه أن يُسَلِم بذلك، فإن لم تعجبه هذه المسلمات، فليغيرها بلا سخط أو غضب أو عجلة على قدر كُتب قبل أن يُولد من بطن أمه. ففي التسليم بالواقع.. سعادة، وأيضاً في تغيير الواقع بحب.. سعادة، لأن السعادة مكانها القلب، محفوفة بالإيمان.. بل و يمكن اختصارها بالركن السادس من الإيمان في الدين الإسلامي.. الإيمان بالقدر خيره وشره. الجزء الثاني من السعادة، يتمثل في العالم الخارجي.. في انغماس الانسان في عمله الذي يحبه أو أي فعل آخر يحب القيام به، كالرسم أو الكتابة أو الطبخ أو النحت أو ممارسة الرياضة أو قضاء الوقت مع العائلة أو المشاركة في الألعاب أو غيرها من الأفعال التي يستمتع الانسان بالقيام بها. الانغماس بفعل يحبه الانسان، يقيم في داخله شعورا بالمتعة واللذة المتدفقة في عروقه. هذا الإحساس المتدفق، كتب عنه الدكتور ميهالي شكزينتميهالي في كتابه (FLOW) الذي يتناول فيه كيفية عيش كل تجربة إلى حدودها القصوى، وعبر ذلك يحس الانسان بتدفق حلاوة الدنيا في داخله. وتجميع الانسان لأكبر عدد من هذه اللحظات متدفقة المشاعر، يجعل الانسان راضيا و سعيدا بشكل عام في حياته.. لأن هذه هي السعادة.. مجموع لحظات في حياة الانسان لا لحظة نهائية في آخر حياته أو وقت تقاعده. وبين المسافة من لحظات تدفق السعادة وحتى اللحظات التي تتبعها، يحيا الانسان بوقود السعادة التي بداخله وبرضاه عن نفسه وعن حاله حتى يشعر بلحظات السعادة الخارجية. ويستمر تنقله في حياته مرتاحاً بين هذه وتلك، ففي كلٍ منهما، جزء من جوهر السعادة.