13 سبتمبر 2025
تسجيلما كان الاعتدال في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، تلك قاعدة اجتماعية هامة وأول ما ينبغي أن تصرف إلي المحبة والأخوة في الله فقد وضع الإسلام ميزان قسط يحفظ للعلاقات بين الناس توازنها؛ أمنا لضمان استمرار الحب ودوام الألفة، وكذلك ليصون النفس من صدمات تقلب أحوال المسرفين في مشاعرهم، لذا وجه المرءَ إلى الاعتدال في المحبة، والاقتصاد في المديح، والإنصاف في المعاملة، والتوسط في المعاشرة، والالتزام بالشرع في المخالطة. ولقد قال عمر بن خطاب - رضي الله عنه - لأحد أصحابه: لا يَكْن حُبُّك كَلَفاً ولا بُغْضُك تلفاً. والكلف شدة التعلق بالشيء، والتلف هو الإهمال. فأول ما ينبغي لفت النظر إليه: أن على المرء أن يعتدل في حبه وبغضه، وأن يقتصد في مديحه لغيره، كما أرشد إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف حين قال: "أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما". رواه الترمذي في سننه وصححه الألباني. فاذا أحببت أو أبغضت فبقدر، وإذا اقتربت فلغاية، وإذا هجرت فلحكمة، فليس وراء كل هجر عتاب، كما قال الأولون: قد يكون ترك العتاب عتابا إني ليهجرني الصديق تجنيا**** فأريه أن لهجره أسبابا وأخاف إن عاتبته أغريته**** فأرى له ترك العتاب عتابا وإذا بليت بجاهل متعاقل**** يدعو المحال من الأمور صوابا أوليته مني السكوتَ وربما**** كان السكوت عن الجواب جوابا من هنا ننبه على أنه لا ينبغي أن يفرط الرجل في محبة أخيه، ولا يتجاوز في عداوة عدوه، فإنه لا يدري متى تنتقل صداقة الصديق عداوة، ولا متى تنتقل عداوة العدو صداقة. ومن أمثال أكثم بن صيفي: الانقباض من الناس مكسبة للعداوة، وإفراط الأنس مكسبة للملال. والتوسط بين الأمرين خير الأحوال. يقول أبو عبيدة: يريد أن الاقتصاد أدنى إلى السلامة. وكن معدناً للحلم، واصفح عن الأذى... فإنك راءٍ ما علمت وسامع وأحبب، إذا أحببت، حباً مقارباً... فإنك لا تدري متى أنت نازع وأبغض إذا أبغضت غير مباعد... فإنك لا تدري متى أنت راجع وفي ذلك يقول ابن القيم: من أحب شيئا سوى الله عز وجل فالضرر حاصل له بمحبوبه: إن وجد وإن فقد، فإنه إن فقده عذب بفواته وتألم على قدر تعلق قلبه، وإن وجده كان ما يحصل له من الألم قبل حصوله، ومن النكد في حال حصوله، ومن الحسرة عليه بعد فوته: أضعاف أضعاف ما في حصوله له من اللذة: فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكيا في كل حال مخافة فرقة، أو لا شتياق فيبكي إن نأوا، شوقا إليهم ويبكي إن دنوا، حذر الفراق فتسخن عينه عند التلاقي وتسخن عينه عند الفراق. ومع كل هذه النداءات الإيمانية والتحذيرات الهامة فإنا نقول الوقاية من البداية أوفق، ثم أمر أخير ذا صلة على السائر أن ينتبه إليها إذا رام المرء تحصينا لنفسه، وهو في بداية أمره عليه ألا يكثر من القرناء سيما الذين لا يعرف عنهم ما يستروح له قلبه ويهنأ بمعرفتهم فؤاده. عدوك من صديقك مستفاد... فلا تستكثرن من الصحاب فإن الداء أكثر ما تراه... يكون من الطعام أو الشراب