12 سبتمبر 2025

تسجيل

المعلم جرجير

07 ديسمبر 2016

اسمه "جرجير"، مواطن في كوكب شبيه بكوكبنا، يقع على بعد 100 سنة ضوئية، يعمل معلما منذ قديم الزمان، ورغم اسمه المضحك، والذي يثير الكثير من السخرية، والتساؤلات بين التلاميذ، إلا أنه كان معلما صاحب شخصية قوية، يستطيع أن يفرض احترامه على الطلاب، وله في ذلك طرق متعددة. بداية، فهو عالم متبحر، متخصص بحق، يدرك أبعاد العلم الذي يقوم بتدريسه جيدا، ويتابع آخر التطورات والأبحاث الأكاديمية في مجاله، كما أنه مطلع على أحدث الدراسات التربوية، ونظريات التعليم الجديدة التي تراعي الفروق الفردية للطلبة.لذلك فالأمور سهلة لديه في أغلب الأحيان، مع ذلك، يؤمن أيضا بضرورة العقاب أحيانا، بتدرجاته المختلفة، ابتداء من الصراخ والنهر، مرورا بالطرد من الفصل، وأحيانا الضرب، غير المبرح وغير المؤذي، وغير المهين.لكن فجأة مع مرور الأيام، تغيرت فلسفات التعليم، وما عاد العقاب أو الضرب مسموحا، فأدى ذلك إلى تزعزع سيطرته على فصل يضم ثلة من المراهقين، يبدون في هيئة شياطين صغيرة، عندما يبلغون أوج نشاطهم.وقف الطالب "عبود" متحديا أستاذه، بل إنه أهانه، وقال له: سأفعل ما يحلو لي، وألهو بالهاتف الذكي، وأنت أكمل درسك؟! هيا عاقبني لو تستطيع، هيا أنتظرك!ضحك التلاميذ، غضب المعلم "جرجير"، احمر وجهه، واسودت أذناه كعادة أهل الكوكب، وارتفعت حرارته، وعربدت الأفكار في دماغه، كان قابضا أصابعه بقوة، ويحاول أن يرفع يده ليهوي بها على ذراع الطالب، لكن يده كانت ثقيلة، حاول، وحاول، وأخيرا نجح، ضرب الطالب "عبود" ضربة خفيفة.وهنا انشقت الأرض كالقبر، وكشفت عن رجل عجوز، أبيض الشعر، أسود القلب، صرخ غاضبا: ما ذا فعلت يا "جرجير"، ما ذا فعلت؟، هل تدرك أبعاد جريمتك؟، لقد كسرت روح الطالب!! أرقت كرامته على الأرض! سيصبح صاحب شخصية مهزوزة، ولو تعرف على شلة من "الصيع" لربما أصبح لصا، ولا أستبعد على الإطلاق انضمامه لداعش، لينتقم منك ومن أمثالك!!فغر المعلم "جرجير" فاه، وقال: "داعش!" لم يتكلم الضمير الإداري كثيرا، فقط اشتعلت عيناه غضبا، وتناثر اللعاب من شدقيه، كان يشبه المصروع، وفي النهاية، قال: أنت محال إلى التحقيق. وهنا تدخل الجني الأحمر الشرير، كان يقول حكما، على غير العادة، فخاطب "جرجير"، موسوسا له: لا عليك منه، أنت لم ترتكب جريمة، أنت حاولت أن تربي الولد، لا أن تعاقبه، هناك من يحتاج لمن يكبح جماحه أحيانا، ولو بالضرب، هكذا تقول الطبيعة الإنسانية!!لكن صاحبنا "جرجير" كان قد استيقن خطأه، وكاد أن يجثو على ركبتيه، معتذرا، للطالب "عبود"، فقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق، إلا أن الجني لم يستسلم، بل قال: "واضربوهم عليها لعشر"، الإسلام يطلب ضرب الطفل الذي لا يصلي أن بلغ العاشرة من العمر وظل على عصيانه.لأول مرة في التاريخ، الجني الأحمر الشرير، يتظاهر بأنه متدين، لكن "جرجير" لا تنطلي عليه هذه الوساوس.فخضع مرغما للأنظمة التعليمية الجديدة، ومع الوقت، أصبحت الصفوف بيئات طاردة للإبداع، الطلاب مشاغبون، والمدرسون ضائعون، ولسان الحال يقول، مهما كان التعليم قويا، والتقنيات متوفرة، لكن الحقيقة المرة تقول: من أمن العقوبة أساء الأدب، وأضاع العلم.