17 سبتمبر 2025
تسجيلكشف تقرير مدركات الفساد لعام 2014 والذي صدر قبل أيام عن نجاح جميع دول مجلس التعاون باستثناء عمان في تحسين ترتيبها على المؤشر ما يعد دليلا ماديا على قدرة المنظومة الخليجية بتحقيق تقدم في مجال الشفافية الأمر الذي من شأنه محاربة سوء استغلال المناصب العامة لتحقيق مصالح شخصية. كما أفصح التقرير الأخير عن نجاح كل من الإمارات وقطر بتسجيل نتائج أفضل من أعضاء في الاتحاد الأوروبي وبالتالي تعزيز سمعة ومكانة المنظومة الخليجية على المستوى الدولي. في تفاصيل أداء دول مجلس التعاون الخليجي، نجحت الإمارات بالتقدم مرحلة واحدة وبالتالي تحقيق المرتبة 25 عالميا. بدورها، تقدمت قطر مرتبتين وعليه حلت في المرتبة رقم 26 دوليا. وعلى هذا الأساس، تتمتع كل من الإمارات وقطر بترتيب متقدم على مؤشر مدركات الفساد يفوق أداء عدد غير قليل من دول الاتحاد الأوروبي مثل قبرص والبرتغال وإسبانيا وبولندا، على سبيل المثال لا الحصر. وبكل تأكيد، يعد ترتيب الإمارات وقطر الأفضل على الأصعدة الخليجية والعربية والإسلامية. بدورها، سجلت السعودية أفضل تقدم في غضون سنة واحدة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعزز ترتيبها بواقع 8 درجات من المرتبة 63 إلى 55 دوليا. ويبدو بأن الفضل يرجع لحد كبير إلى إنشاء لجنة النزاهة الهادفة إلى تعزيز أفضل الممارسات في المؤسسات في البلاد. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن السياسات الصائبة تكون محل تقدير الجهات ذات العلاقة. مؤكدا، تحتاج السعودية صاحبة أكبر اقتصاد عربي إلى هكذا لجنة بغية ضمان المساواة في المعاملات. كما تقدمت البحرين مرتبتين وصولا للمرتبة رقم 55 دوليا بالشراكة مع السعودية والأردن فضلا عن ثلاث دول إفريقية.في المقابل، تراجع ترتيب عمان بواقع ثلاث مرات وهي الحالة الوحيدة في المنظومة الخليجية وعليه حلت السلطنة في المرتبة رقم 64 عالميا، وجاء هذا التراجع استمرارا لما حدث في تقرير 2013 عندما هبط ترتيب السلطنة 11 مرتبة مرة واحدة ما شكل منعطفا سلبيا، اللافت بأن تراجع ترتيب عمان يعد الحالة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي. بدورها، تمكنت الكويت من تحسين ترتيبها مرتبتين لتحل في المرتبة 67 دوليا لكن يبقى ترتيب الكويت الأدنى في المنظومة الخليجية.يغطي تقرير 2014 مستويات الشفافية في 174 بلدا في العالم أي السواد الأعظم من دول العالم عبر الاعتماد على النتائج المحصلة للعديد من المسوحات والاستطلاعات من تنفيذ 13 جهة دولية مرموقة تتمتع بمصداقية ولها باع طويل في الأبحاث. تشمل هذه المؤسسات وحدة المعلومات في مجموعة الإيكونومست البريطانية والبنك الدولي ودار الحرية ومؤسسة البصيرة العالمية وبنك التنمية الآسيوي وبنك التنمية الإفريقي. تشمل عمليات الاستطلاع وجهات نظر الخبراء ورجال الأعمال وغير المقيمين بخصوص مدى تقبل السياسيين وموظفي القطاع العام للرشاوى. بيد أنه تعتبر هذه النقطة سلبية لحد ما بالنظر للاعتماد على معلومات يقدمها أفراد بصورة ذاتية وشخصية وليس بالضرورة بصورة موضوعية. تهدف المسوحات والتقييمات إلى كشف أمور خطيرة مثل رشوة الموظفين العموميين وتقديم رشاوى في مجال المشتريات العامة واختلاس الأموال العامة. وعلى هذا الأساس، يعد المؤشر مميزا كونه يقيس مدى استشراء الفساد في المعاملات الرسمية عبر تفضيل البعض على حساب الآخر وبالتالي إمكانية الحصول على الاكتساب غير المشروع أو عوائد مادية مشكوك في صحتها. كما تشمل المسائل المهمة في إطار محاربة الفساد أمور مثل العقوبات والجزاءات التي يتم فرضها على المفسدين ومدى قناعة الشارع بجدوى نوعية العقاب والمساواة في التنفيذ. لاشك، يهتم القطاع التجاري والناس على حد سواء بقضايا حساسة مثل حالات الاختلاس لدى الوزراء. ذات مرة سألت عضو في السلطة التشريعي في سنغافورة عن فرضية حصول حالات لتقبل مسؤولين رشاوى في هذه الدولة التي تتميز بفرض جزاءات على أمور تشمل رمي مخلفات العلكة في الشارع، فجاء الرد بأن ما يميز بلاده عبارة عن تطبيق الجزاءات وليس بالضرورة غياب الفساد. ولا غرابة في هذا الصدد حصول سنغافورة المرتبة السابعة على مؤشر مدركات الفساد لعام 2014 أي الأفضل على نطاق آسيا.تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد بسوء استخدام الوظيفة العامة من أجل تحقيق مكاسب. كما أنها لا تميز المنظمة بين الفساد الإداري والفساد السياسي. ترى المنظمة وهي محقة في ذلك بأن عمليات الفساد تسلب البلدان طاقاتها وتمثل عقبة كأداء في طريق التنمية بدليل تأخر بعض الدول بمن فيها أعضاء في الاتحاد الأوروبي. التقدم الخليجي يعود بشكل جزئي لظاهرة تنامي الاعتماد على الحكومة الاليكترونية وهي نقطة جديرة وصائبة في عصر العولمة، فمن شأن الاعتماد على الشبكة العنكبوتية ضمان تدفق معلومات محدثة وضمان المساواة في الحصول على الخدمات.تكمن أهمية المؤشر باستخدامه من قبل مستثمرين دوليين مع مجموعة أخرى من الإحصاءات لاتخاذ قرارات مرتبطة بالاستثمار والأماكن القابلة لاستقطاب الشركات التجارية، تعتبر الاستثمارات الأجنبية ضرورية لمعالجة بعض التحديات الاقتصادية مثل إيجاد فرص عمل للمواطنين وتحقيق أفضل نسب النمو الاقتصادي وثقة المجتمع التجاري الدولي للقوانين والآفاق التجارية في مختلف دول العالم. المطلوب من غالبية دول مجلس التعاون الخليجي تنفيذ إصلاحات جذرية لمحاربة سوء استغلال الوظائف العامة والتأكد من وجود أشخاص مناسبين في الوظائف العامة دون اعتبار للأمور السياسية.كما يتطلب تعزيز الشفافية أمورا مثل نشر إحصاءات دورية دون تدخل للتأثير على الأرقام أو تاريخ النشر لأغراض سياسية كما هو الحال مع بعض الدول خصوصا تلك الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وجلها أعضاء في الاتحاد الأوروبي. باختصار، يمكن الزعم بأن الشفافية مسألة جوهرية وليست رفاهية في عصر العولمة حيث المنافسة دولية.