15 سبتمبر 2025
تسجيليقوم معهد الإدارة العامة بجهود حثيثة في تدريب وتأهيل الكوادر القطرية، وانطلاقاً من تجربتي المتواضعة في سلك التدريب في المعهد فإن المعهد يقدم برامج تطوير إدارية ممتازة ومعدة جيداً لتتناسب مع المسار الوظيفي للموظف، وتحتاج إلى بيئة عمل طبيعية وصحية حتى نجني قطافها، ولكن ماذا لو كان مناخ العمل غير مستقر أو ربما كان جليدياً متجمداً فيعيق الحركة ويعطل السير؟ فما انعكاسات التدريب في وسط مثل ذلك؟ وكيف يتم قياس أثر التدريب على الموظف؟ ومن يهتم بأن يفعل ذلك؟ وهل تتم مناقشة الموظف فيما اكتسب من مهارات إدارية تعينه على رفع كفاءته في العمل؟ وكيف وأين يتم تطبيق تلك المهارات؟ ومدى نجاعتها في بيئة العمل؟ كيف يستطيع أن يطبق الموظف ما تلقاه من تدريب في بيئة عمل ضعيفة وغير فاعلة؟! رغم كل ما تعالجه تلك البرامج إلا أن جراح بيئة العمل ما زالت عميقة وما زالت آثار نزفها تعيق حياة الموظف وتؤثر على أدائه وعلى نفسيته وحياته بأكملها وما انفكت تلك المشاهد المستنزفة للطاقة فسيولوجياً تجثم بقبضتها القوية على أنفاس الموظفين الضعفاء ممن لا حول لهم ولا قوة، راقب معي عزيزي القارئ هذه المشاهد في إدارة من الإدارات: المشهد الأول: موظف ليس معه سوى مؤهل ثانوي مقارنة بزملائه أصحاب الشهادات العالية ودرجته الوظيفية وخبرته أقل بكثير من أقرانه يعين رئيساً عليهم؟ المشهد الثاني: موظف متسلق لا يملك من الكفاءة ولا من الخبرة ولا أدنى المهارات العملية يعين مدير إدارة لعلاقته المتميزة مع أصحاب القرار. المشهد الثالث: موظفة لديها نفس المواصفات السابقة إلا أنها تمتاز بعلاقتها فوق الممتازة مع المدير، هي المحرك والمدير الفعلي للإدارة، تستحوذ على كل الامتيازات المادية والمعنوية، وتحظى بما لا يحظى به الآخرون، واللاممكن يُمكن لأجل "عيونها". المشهد الرابع: موظف أجنبي يشغل مكاناً في العمل يستحقه موظف آخر مواطن إلا أن المدير لا يستطيع الاستغناء عنه معتقداً أنه لا يمكن للموظف المواطن أن يحل مكانه ويؤدي أعماله فيتمسك به رغم قرار إقالته. المشهد الخامس: موظف نشيط مبدع يقدس العمل، صاحب خبرة وكفاءة وشخصية قيادية يبعد عن العمل لسبب أو لآخر مهابة وخوفاً من تفوقه. المشهد السادس: موظفون يفترض أنهم يحضرون يومياً للعمل ويلتزمون بمواعيد الحضور والانصراف إلا أن الواقع يجبرهم على التجمع في مكتب أحدهم لتبادل الأحاديث تناول الشاي والقهوة والفطور إن وجد موظفون بدرجة عاطل بامتياز. المشهد السابع: رؤساء أقسام يعينون لأقسام غير واضحة المعالم من الناحية التنظيمية والإدارية. المشهد الثامن: مدير مكتب برتبة رئيس ولا يخفى عليكم الباقي. المشهد التاسع: مكافآت تشجيعية قد تعرف طريقها لجميع هؤلاء ما عدا ذلك الموظف المبدع المعطاء !!! المشهد العاشر: إدارة تم تهميشها وتعطيلها وسحب مهامها واستخدامها مستودعاً لكل موظف فائض عن الحاجة أو غير مرغوب فيه. أصدقك القول عزيزي القارئ إن أناملي تعجز عن ترجمة مشاعر الحزن والأسى لمثل هذا الفساد الإداري الذي تتفطر له القلوب المخلصة، المراعية لحقوق الله وحقوق الوطن، فأترك لكم التعليق بما شئتم. فإذا كان هذا الحال، وهذا هو واقع بيئة العمل فكيف لنا أن نقيس ونتابع نتائج التدريب؟ وكيف سيحدث التقدم ويتحقق التطوير والتنمية؟ فإلى متى تعيش مثل هذه البيئات وتزدهر؟! وعظيم غايتها القبض آخر كل شهر، وضمان الترقية، ورقي المناصب !! وهنا أتذكر قول الله تعالى: "وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ"، وفي هذه الآية أنكر الكفار أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم، فما يهلكهم إلا صروف الأيام وخطوب الليالي وطول العمر!! وما أقرب هاتي بتلك هكذا يرى بعض المسؤولين أنهم مخلدون يأمرون وينهون، يظلمون ويبطشون دون حسيب ورقيب !! تماماً كحال أصحابنا الآنف ذكرهم !! يظل التساؤل قائماً ما مدى نجاعة التدريب الذي يكبد الوزارة ميزانية هائلة في واقع أشبه بالمياه الراكدة التي تتكاثر فيها الطحالب والبكتيريا والطفيليات السامة ويرقات البعوض الناقلة للأمراض الخطيرة كالملاريا ونحوها ؟! فتفتك بسمها كل من يدور في فلكها بلا ذنب !! فنحن بحاجة إلى عمليات غربلة وتنظيف شاملة ودقيقة للقضاء على شرور هذه المستنقعات، نحتاج إلى آلية منصفة تخلص الأمناء الشرفاء والمحترمين من عقارب المياه وضفادعها ! فكيف يمكن أن ينصَف شخص متفانٍ ويتمكن من الحصول على حقوقه وترقياته في مثل هذه الأجواء الملوثة، وكيف يمكن أن يعطي ويتفانى في عمله ومشاعره تحتضر كل يوم أمام هذه المشاهد المؤلمة المتكررة؟!! وما ذنبه إذا ساقته رياح التوظيف إلى مثل هذه البؤر الموبوءة؟!! ولِمَ يُترك فريسة للظلم والمعاناة؟ فيوماً ما سيفقد كل مهاراته العملية وسينسى كل ما تعلمه خلال مسيرته العلمية - والتي كان للدولة مساهمتها العظيمة في الإنفاق على تعليمه - وسيغمره الركود فتنطفئ حيويته ويخيب رجاؤه وتهلك روحه وتنثني عزيمته. صرخة استغاثة مدوية مؤلمة أطلقها نيابة عن كل موظف اعتنق الصمت وكبت الغصة والألم من شظايا القهر والحسرة وأدعو الله الواسع المجيب أن يخلصنا من هذا الفساد الذي طغى وتجبر وهو ليس بعظيم على الله. [email protected]