15 سبتمبر 2025
تسجيلكم عدد المرات التي تراجعت فيها عن الحديث في اجتماع ظنا منك بانك غير مؤهل؟ كم عدد المرات التي كنت مصيبا برأيك ومعلوماتك وآثرت الاحتفاظ بها لاعتقادك بعدم أهميتها؟ كم مرة اعتذرت عن عدم التصوير ظنا منك بأنك لست بكامل اناقتك؟ كم عدد الفرص التي لم تغتنمها لأنك ظننت انت لست جديرا بها؟ كم مرة ترددت في الحديث عن حقائق تعرفها في عملك؟ كبرنا ونحن نسعى وراء المثالية وكأننا في سباق لا نهاية له مع الزمن وفي سباق مع زملاء العمل وسباق اخر مع افراد العائلة والاقرباء، قد يبدو غاية مهمة في الظاهر لكنه مجرد وهم يختبئ خلفها شخصية ترتعد خوفا ممن حولها أن يدرك عيوب الذين يسعون خلف هذا الكمال وهو ان يكون بلا خطأ وبلا زلل وبلا عيوب. في نظرهم ان هذا الجهد والتعب والارهاق يستحقه هذا المعتقد وهذا خيال غالبا لا يرتقي للواقع فيصابون بالاحباط من التوقع والواقع. وهذه التوقعات ليست من فراغ بل بناء على الخيال او الاشخاص من حولنا او التجارب السابقة. الرسام الفرنسي بول سيزان كان يعتقد ان اعماله غير ملائمة ليوقع عليها فكان يتركها جانبا لانها لم تكن كاملة في نظره، الروائي الواقعي كافكا لم ينه رواياته الثلاث واحرق ٩٠٪ من رواياته في حياته، ولم يكن ليعرفه احد لو نفذ صديقه وصيته بإحراق اخر رواياته لاعتقاده بانها دون المستوى ولا تستحق النشر. السعي وراء المثالية مطلب مهم لكن يجب اقتران الكم الى جانب الجودة، والتعلم من الأخطاء يعتبر امرا مهما في هذا الوقت الى جانب ان الوصول للكمال اصبح مطلبا مهما في هذا العصر. على الانسان ان يسعى للجودة والاتقان وليس وهم الكمال، من اهم عيوب وهم الكمال أنك تظل انك تجري وراءه طويلا دون نتيجة، للوصول الى اقصى درجات الكمال وبالمقابل تخسر اشياء عظيمة كأسرتك وراحتك وأصدقائك المقربين، العمل لا ينتهي ولكن الاتقان مهم أكثر من الكمال نفسه. دروس الحياة لا تأتي من الكمال انما من التعلم والأخطاء والماضي والتجارب التي نمر بها، القدرة على تعلم الدروس والنضج والحكمة. عموما انها ليست فكرة حديثة انما هي قديمة جدا على مر التاريخ، الكمال هدف سامٍ ونبيل ولكن لا يتعدى كونه فخا يختفي وراءه شخصيات مهزوزة عديمة الثقة بالنفس تخاف من النقد وتسعى لإرضاء الاخرين حتى لو على حساب نفسها. أضف لذلك في العائلة يسعى الوالدان ليكون أبناءهما الأفضل بين اقرانهم ولا يقل مستوى أحدهم دراسيا وأخلاقيا فيزرع الخوف والقلق ويبدأ الطفل في رحلة البحث عن الكمال ويصبح عدوا لنفسه، ان الكمال امر ايجابي وفطري ولكن الرغبة اذا تجاوزت المعقول فتصبح (مرض الكمال) وقد ينقل عدوى وهم الكمال لمن هم حوله زوجة أو في العمل إذا كان مديرا فلا يرضيه إلا الكمال فيضطر للقسوة على نفسه وموظفيه مما يؤثر سلبا على ادائهم لأنهم يعلمون مهما فعلوا فمصيرهم التوبيخ من المسؤول. يجب ان يسعى الانسان للاتقان والانجاز وايجاد حلول للتحلي بالاتقان وليس الكمال لان "الكمال لله وحده" كن افضل من المرة السابقة، ترفق بنفسك ومن حولك استمر في تحقيق خطواتك للنجاح، قد تكون هناك اخطاء ولكنها دروس نتعلم منها، كن مرنا مع نفسك ومن حولك، لا تضع معايير اداء عالية جدا انما ضع خطوات تصل بك الى القمة. يقول مارك توين " التحسين المستمر أفضل من الكمال المؤجل" كل هذا وبيني وبينكم