16 سبتمبر 2025

تسجيل

من يوقف تســونامي ؟

07 سبتمبر 2022

هل لك أن تتخيل كمية الأصوات المنبعثة من هذا العالم !! كيف لنا ان نتخيلها ؟ كيف لنا أن نحصيها ؟ يا ترى كم من الأصوات تنطلق في الوقت الواحد؟! إنه والله لعجب عجاب ! بالأمس كنا نستطيع نوعاً ما أن نحدد مصادر الأصوات، فكانت جيوشا جرارة من صنوف الكائنات ما بين إنسان وحيوان ونبات وأصوات الطبيعة، أما اليوم فأضف إلى تلك الحناجر أبواق الآلات ووسائل النقل ووسائل الاتصال والإعلام والآت الصخب والموسيقى وغيرها الكثير، كمية هائلة من التسمم السمعي تتخلل مسامعنا كل يوم، تفقدنا الراحة والقدرة على التركيز، رحماك يا ربي بهذه الكرية، تخيل جميع هذه الأصوات تصدر من جميع ما على المعمورة إلى أقصى أرجائها !! وليست كل هذه الأصوات جميلة ومحببة، فمعظمها ملوث للسمع، مشتت للفكر، مؤذٍ للنفس، فصوت واحد منها كفيل بأن يؤذي مشاعرك، ويعكر صفوك، ويهز كيانك، ربما بما يحمل من ذبذبات سلبية، من كلمات سلبية، أو ذبذبات أصوات منفرة، تشمئز لها الأذن، فلله درك يا أذني، كم تسمعين في اليوم ما تكرهين، وما لا تشتهين !! ومن سنن الله في هذا الكون الليل والنهار، فإذا ما شمِس النهار، رفعت الضوضاء أبواقها، ونفخت في الأرض، بخليط متنافر من الذبذبات، أصوات الحياة تتعارك في الفضاء الصوتي، ضوضاء الحركة والاحتكاك بين الكائنات، اضطرابات صوتية تنبعث من منتجات التطور التكنولوجي، أما الإنسان، فبمجرد أن تطأ الروح الجسد، بعد رقدته الصغرى، فينهض كما ينهض المارد ليتصارع مع الكون، فصوت سعيه وعمله وتفاعله مع محيطه، من أوضح وأبلغ صور الحياة، وهي المكون الأساسي لما يسمى بالضوضاء الاجتماعية الداخلية، فبرغم الضوضاء التي تصدر من معظم الناس، هناك ضوضاء من نوع آخر تتأجج في النفس، بل يكاد صوتها أن يهتك غشاءها، وأن يفضح عرضها، فيعيش الإنسان بين ضوضاء نفسه التي تصرخ كالطفل الرضيع الجائع، وبين ضوضاء العالم الآخر، ففي الحقيقة هو يعيش ضمن عالمين، قل ما وجد السكون بينهما !! وأما الليل، الذي سنه الله للهجوع والسكينة، فقد طالته يد المدنية، وصور انتعاشها، فشوهت هدوءه، وأقلقت مرقده، وحولته نهاراً من نوع آخر، تتحكم في شمسه وضيائه، فأصبح الإنسان لا يعرف كيف يقرأ كتاب الليل بعد أن أرهقته القراءة في كتاب النهار، فكتاب الليل لم يعد يحوي مفاهيم السكون والراحة والتعبد فقط، بل هناك مفاهيم السهر والمتعة واللهو حتى الصباح، أصوات تعلو أصواتا، ضجيج يتلو ضجيجا، صخب بالليل وجلبة بالنهار، وإزعاج داخل النفس، كم أرق لأجلك أيها الإنسان، وكم أرثي لحالك أيها الكون الحزين، كم يتحمل هذا الكون ويصبر!! لا أجد أحداً يليق بهذه الصفة سواه، انظر فقط لما يحوي، وتمعن لما يحدث فيه، تجده شامخاً، صابراً، إلى يوم تطبق فيه السماء على الأرض !! فمتى يتوقف الإنسان عن إيذاء نفسه، بل وغيره من الكائنات الذين يتقاسمون معه المسكونة، ما يحدث لا نستطيع إيقافه، فهو كفيضان تسونامي لا نستطيع الصمود في وجهه، ولكننا نستطيع أن نحتمي منه، وأن نبتعد عن سبيله، وأن نحتاط لقدومه، وأن ننظف مخلفاته، على قدر امكاناتنا، لا شك أننا سنبذل جهداً غير يسير في ذلك، ولكننا على الأرجح سنحاول أن نضع كل شيء في مكانه ومساره الصحيح، فنجود على أنفسنا بالشعور بالطمأنينة والسلام والقدرة على الاستمتاع بنعم الحياة كما أرادها الخالق دون تحريف أو تشويه.