14 سبتمبر 2025
تسجيلتتجه الأنظار الآن وبقوة شديدة جداً إلى الصين كونها المرشح رقم واحد لملء الفراغ في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي. إذ إنه بمقدار ما يمنح الانسحاب الأمريكي من أفغانستان فرصاً كبيرة للصين، بمقدار ما يطرح تحديات كبيرة لها أيضا. وفي سياق توازي كافتي الفرص والتحديات للصين جاء الحديث بقوة عن الصين لتكون المرشح رقم واحد لملء الفراغ في أفغانستان. وما دعم ذلك أيضا، هو محادثات الصين المعلنة وغير المعلنة مع قادة طالبان بعد إعلان بايدن الانسحاب من أفغانستان، والتي تكللت باستضافة وزير الخارجية الصيني قائد طالبان الملا عبد الغني برادر قبل ثلاثة أسابيع من الانسحاب الأمريكي. ويكمن التحدي الرئيسي للصين من الفراغ في أفغانستان الناجم عن الانسحاب الأمريكي في تحويل المناطق الحدودية المجاورة للصين ذات الأغلبية المسلمة الإيغورية إلى قاعدة لتصدير المجاهدين أو الفكر الجهادي أو تعزيز التواصل بين مجاهدي أفغانستان والتنظيمات الإرهابية المتعددة في أفغانستان مع الحركات الانفصالية الإيغورية. ويتفاقم التحدي الصيني في إطار سياقين، الأول - حملة القمع الرهيبة التي تمارسها الصين على مسلمي الإيغور، والثاني- الأهمية الإستراتيجية الكبرى التي تلعبها المناطق ذات الأغلبية المسلمة وإقليم شينجاينج على وجه التحديد في مبادرة طريق الحرير الجديد، مما قد يسفر عن ذلك زيادة التهديدات الإرهابية لمصالح الصين في المبادرة من أجل الانتقام لمسلمي الإيغور. وفي ذات السياق يمكن القول، إن مصالح الصين في باكستان في إطار مبادرة الحرير ليس بمنأى أيضا عن التهديدات الإرهابية الناجمة من أفغانستان. على الجانب الآخر، يمنح الانسحاب الأمريكي من أفغانستان فرصاً كبيرة للصين، إذ تخطط الصين ومنذ فترة طويلة لضم أفغانستان إلى طريق الحرير الجديد، إذ إن موقع أفغانستان هام جدا لاستكمال ربط طرق المبادرة الرئيسية بباكستان وآسيا الوسطى. وكانت الصين قد أشارت سابقا عن سعيها لعمل ممرات ربط تربط بين الحدود الغربية للصين وتمر عبر أفغانستان حتى باكستان. وفي ذات السياق أيضا، تتجه أنظار الشركات الصينية للعمل في أفغانستان التي تحتوي على موارد طبيعية هائلة. وبالتالي نخلص مما سبق، أن لدى الصين حقاً مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية شديدة الحيوية في أفغانستان تجعلها الدولة صاحبة المصلحة الأولى في أفغانستان. ومع ذلك، فمسألة قيام الصين بملء الفراغ في أفغانستان أو أن تحل محل الولايات المتحدة- كما يبشر العشرات من الكتاب وكأن الأمر قد حسم تماماً - ليس بالأمر السهل على الصين خصيصاً. فمن جانب، ربما لا تبشر عودة طالبان لحكم أفغانستان بوضع أمني وسياسي مستقر في أفغانستان حتى الآن. ومن جانب آخر أكثر موضوعية، إن أحد ثوابت السياسة الصينية الراسخة هو عدم التوسع أو التمدد عسكريا خارج حدودها، بل وأيضا عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والانجرار في أية أزمات داخلية أو إقليمية. إذن، السؤال المطروح الآن كيف ستتعاطى الصين مع تلك الفرص والتحديات لا سيما الأخيرة دون الانجرار في مستنقع تدخل عسكري في أفغانستان؟. يبدو من تحركات الصين الأخيرة أن الصين تراهن على أمرين متدخلين: الأول- توثيق علاقاتها مع طالبان والاعتراف بها التي تستطيع جزئيا- من منظور الصين - تحقيق استقرار نسبي في أفغانستان في المناطق التي تسيطر عليها، كما تراهن الصين على تعاون طالبان مع الصين لإنجاز طموحاتها الاقتصادية في أفغانستان وتأمينها في نفس الوقت. الثاني- تراهن الصين على دور قوي لباكستان في أفغانستان لما لباكستان من قدرة كبيرة على السيطرة على الحركات الجهادية المتطرفة. ومن منظورنا أن رهانات الصين لن يصيبها النجاح الكبير لعدة أسباب رئيسية، ربما أهمها صعوبة تحقيق استقرار سياسي وأمني طويل الأمد في أفغانستان تحت سيطرة حكومة طالبان، حيث من المرجح بشدة أن تعود أفغانستان إلى أجواء الحرب الأهلية تحت سيطرة طالبان. إذ فبحسب العديد من التقارير الأمنية يستعد خصوم طالبان، وهم كثر وأقوياء ومنهم نجل الملا "أحمد شاه مسعود"، للدخول في مواجهات عسكرية مع طالبان. على الجانب الآخر، في ظل استمرار حملة القمع الرهيبة التي تمارسها الحكومة الصينية ضد مسلمي الإيغور، من الصعب للغاية أن تمنع باكستان الحركات الجهادية العديدة والقوية ومنهم القاعدة عن مهاجمة الصين أو الجهاد ضد الصين نصرة لمسلمي الإيغور. ومن المعروف أيضا، أن العديد من تلك الحركات الجهادية خصوم لطالبان، وخارج سيطرة باكستان تماما وتسيطر على مقاطعات في أفغانستان ولديها مقاتلون بالمئات. الصين حقا ستواجه معضلة إزاء التعامل مع أفغانستان تجعلنا نصدق التحليلات المنتشرة التي تقول إن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وسماحها بعودة طالبان للحكم بكل سهولة ما هو إلا خطة أمريكية متعمدة لخلق بؤرة توتر مزمنة لكل من روسيا والصين. ماذا ستفعل الصين تجاه تلك المعضلة؟ هل ستضطر في نهاية المطاف لتمديد حضورها العسكري في أفغانستان وهي تعلم جيدا أن تحقيق أي انتصار في أفغانستان ضرب من المستحيل؟.