13 سبتمبر 2025

تسجيل

السلطة الغائبة الحاضرة

07 سبتمبر 2021

نتقلب في ذواتنا بين السلطة العقلية والسلطة المشاعرية، وحيث إن كلتا السلطتين تتمتع بالقوة والهيمنة التي تؤثر في السلوك، فسلوكياتنا تخضع إما لسلطة العقل أو سلطة المشاعر أو لربما لسلطة أعظم. وقد نرى من الأشخاص من يخضع لإحدى السلطتين على حساب الأخرى، وهنا يبدأ الإشكال، فينظر للأمور والمواقف من منطلق السلطة التي اعتاد أن يدرك من خلالها، لشعوره بالارتياح من خلال نظرته وحكمه السلطوي، وربما لشعوره بالتبعية التي لطاما أحاطته بسور الأمان والحماية، وحقيقة الأمر أن الميل لإحدى السلطتين على الأخرى هو نتيجة العادة والتعود للنزوح إلى سلطة دون غيرها في النظرة الشمولية للحياة وما يمر بها من إشكاليات وتحديات، فيهاب الشعوري أن يلجأ إلى سلطة العقل في كثير من الأمور، لأنه تعود النظر من نافذة شعورية خالصة تشبع لديه ذلك الشعور بالقبول والأمان، وربما البهجة والمتعة، بينما الإنسان العقلي دائماً صاحب النفوذ الأقوى، إذ يقاوم في قراراته رغباته وأهوائه ومشاعره، فهل كلاهما صحيح؟! إن التحرر من عبودية كلتا السلطتين هو مفتاح الطريق القويم وربما البحث في أعماق السلطة الغائبة الحاضرة هو جواز العبور إلى الحقيقة. فيحتاج الإنسان في نظرته إلى الحياة وما قد يعترض طريقه فيها من صعوبات إلى أن يستمد القوة من السلطتين، بعد أن يعرضهما على صاحب الأمر والفتوى ألا وهو القلب، فلا قرارات مجردة من المشاعر ولا مشاعر مجردة من العقل، فكلاهما يتسق ويتجاذب في محاولة لخلق القرارات الصائبة. وكان للقلب منزلة الفتوى واليقين، وذلك استناداً على ما ورد في النصوص القرآنية التي ردت جميع شؤون الإنسان إلى قلبه، فهو المهيمن على السلطتين وهو السلطة الأولى والسلطة العظمى، وقد يخطئ البعض عندما يحصر فهمه للقلب بالمشاعر فقط، فالقلب مقام الحدس والإيمان والإحساس والبصيرة وهما المحركات الأساسية لكل من العقل والمشاعر ومن ثم السلوك، ومن هذا المنطلق فهو الأولى بالسيادة والسلطان على العقل والمشاعر، وهو ما أسمية بالسلطة الغائبة الحاضرة، فإن حضرت بكل ثقلها وجوارحها وثباتها وحكمتها وصدقها كان القرار الأعدل والأسلم وإن عُميت وخُتمت وطُبعت ووضعت في الأكنة، ضل القرار ومال، فلا فقه ولا سمع ولا إبصار. وفي مواضع الحياة المختلفة تجنح سلطة للأخرى بغية الحفاظ على الهدوء والارتياح النفسي، وهنا تتجلى أهمية التوازن في التنقل بين السلطتين، فأحياناً يتوجب على الإنسان أن يُسخر عواطفه لخدمة قرار عقلي أو أن يستعمل عقله وضوابطه لكي يصل إلى غاية شعورية، فالتعقل هو المهارة في موازنة الأمور بموازينها، فبجانب منظوري الشخصي وقدرتي على التحكم في موازين السلطات التي تشكل عالمي، توجد هناك موازين ومعايير أخرى تلهمني القدرة على الممارسة الصحيحة في تناول العقبات والمشكلات والأفكار والقضايا. فعلى سبيل المثال لكي تستقيم العلاقات والتي تخضع للسلطة الشعورية والتي قد تنتهي بالخسران بشكل أو بآخر في معظم الحالات يتوجب أن تتدخل سلطة العقل لكي تسير هذه العلاقات في الاتجاه الصحيح فتحافظ على توازنها، فلا تميل الدفة مع رياح المشاعر المندفعة فتحترق، وكذلك العكس عندما يتنازل العقل ويسلم القيادة للسلطة المشاعرية لتحقيق بغية عقلية، وهنا تتمظهر القدرة في استثمار نفوذ السلطتين لخدمة المقصد الأسمى. العلاقة بين العقل والمشاعر علاقة تكاملية تجاذبية ترسمها الغاية والهدف، سواء أكان ذلك في اعتناق الأفكار ورسمها أم في اتخاذ القرارات واعتمادها والارتياح إليها. وذلك بعد أن تقرر تلك السلطة الحاضرة الغائبة فنتشرف ونسمو بحضورها أو نتهاوى ونهلك في غيابها. [email protected]