11 سبتمبر 2025
تسجيلالكثير من كتّاب المقالة، أخذوا على عاتقهم نقل ما قرؤوه فقط، أو سمِعوا به، وهذا الأمر لا يصح، فمن المعيب أن تكون ناقلاً لشيءٍ ما، فلو كان عظيماً لعرفه الناس قبلك، ولو كان سخيفاً لتركه الناس قبلك، ومن المعيب كذلك أن تكون مقالتك درساً من دروس الإنشاء، وكأنك طالب في الثانوية العامة، يحاول أن يحصل على علامة 8/10 ليبهر أستاذ اللغة العربية، أنه مجتهد وسينجح، وهذا الأمر في الحقيقة مُخجل، ويحسب ضد الكاتب في مقتبل الأيام. والأصعب من ذلك كله، من يقوم بدور الواعظ من خلال مقالاته، فتقتصر مقالاته، على "اعملوا وعوا، تنافسوا، تطهروا، أسبغوا الوضوء، أتموا الصف، أكثروا من ذكر الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، فكون القارئ إنسانا عاقلا، فمن البديهي ألا يستقي أي مفهوم ديني من خلال مقالة أو عمودٍ أسبوعي لكاتب أو كاتبة مغمورين مغرورين، بل سيتجه للكتب المعتمدة، ولرجال الدين الثقات، وسيتركك أنتَ ومقالتك على الرف. فالناقلون والوعّاظ والانشائيون، ممكن أن نقول إنهم مجرد كتّاب، ولكنهم ليسوا كتّاباً حقيقيين لفن المقالة، وفي المقابل لستُ مقيّماً لما يُطرح، ولست مسؤولاً عما يُطرح، بل أنا أبيّن وجهة نظري في فن المقالة، ليس إلا. والمُضحك المبكي، أنني كنت أتحدث هاتفيا مع أحد الزملاء، وهو محسوب على كتّاب المقالة، فقال لي من ضمن حديثه: إن بإمكانه أن يكتب مقالة من 400 كلمة وهو ينتظر وجبة غداء عند شبّاك أحد مطاعم الوجبات السريعة، فقلت: الآن أدركت لماذا هي مقالاتك جميلة، فكان رده علي (تطنّز). جزء من نظرة العالم الخارجي، للمجتمعات المتحضّرة، تأتي من خلال ما يُطرح في صحفها اليومية، فصورة مجتمعك تتضح من خلال مقالات كتّاب هذا المجتمع، سواء في المشهد السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، كما أن الشبكة العنكبوتية قد أدت دورها الحقيقي في هذا المنحى، من خلال مواقع المجلات والجرائد. ومما سمعت وقرأت أن الصحافة كلها عمّا قريب، ستكون صُحُفاً إلكترونية، وهل يعني ذلك أن نُفقد هذا الفن جمالياته بحجة أنه (أصلا من يقرأ لك؟)، وهذه خدعة يتراشق بها أشباه المبدعين، في كل فن يُطرح، بل عليك أيها المبدع أن تسأل نفسك دائماً: (من سيقرأ لي؟)، وقبل كل شيء (أنك ما تكتب شيء يخلي الناس تكرهك). ودائماً اجعل من سعيك مشكورا، فمن الجميل أن تخرج أجمل ما عندك، في أقل ما يمكن من كلمات، الكلمات التي تبيّن من خلالها، مدى عمق إبداعك في بحر ثقافتك، وتبيّن للمتابعين لك ولقرائك الأعزاء، أجمل تقاطعات ذاتك ووجهات نظرك، فملامحك النفسية تتضح من خلال كتاباتك، فالمقالة صورة مصغرة عنك، صورة مصغرة لمجتمعك الذي تعيش به، فلا تكن أيها الكاتب كطلاسم ايليا أبي ماضي، حينما قال: (جئت.. لا أعلم من أين؟ ولكنّي أتيت).