02 نوفمبر 2025
تسجيلمكثت في بريطانيا لعدة أسابيع في صيف 2011 بقصد المشاركة في فعاليات في أوقات وأماكن مختلفة. على سبيل المثال، تحدثت في مؤتمر مركز الخليج للأبحاث في جامعة (كيمبردج) حيث تناولت ورقتي، وتوجه دول مجلس التعاون الخليجي وبصورة جماعية لإبرام اتفاقيات للتجارة الحرة مع بعض الدول والكيانات الاقتصادية. ويعود التطور إلى عدم تحقيق تقدم فعلي لإنهاء جولة الدوحة لتحرير التجارة فضلا عن عدم وجود آفاق لتوقيع اتفاقية للتجارة بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي الأمر الذي وفر الأرضية للدول الست باللجوء لخيار توقيع اتفاقيات مع أطراف أخرى بدأ بسنغافورة في نهاية 2008. وعليه حصلت على فرصة للوقوف عن قرب عن الأمور المتعلقة بنفقات رعايا دول مجلس التعاون في مدينة الضباب ومدى تقدير السلطات البريطانية للأموال الداخلة في اقتصادها الوطني. وركزت اهتمامي بشكل أكبر على شارع (أيجور رود) الشهير في لندن والذي يتميز بقدرته على استقطاب عدد لافت من الخليجين، وتأكيدا لمعادلة العرض والطلب ترتفع أسعار الإيجارات في موسم الصيف بحيث يصبح سعر 2000 دولار في الأسبوع للشقق السكنية أمرا غير مستغرب. بل ليس المطلوب من المؤسسات التجارية على هذا الشارع بالذات لبذل جهود مضنية للترويج لمنتجاتها خلال الصيف نظرا لوجود الطلب فضلا عن ما يتميز به الفرد الخليجي من رغبة الاستعداد، بل يمكن الزعم بأن كل شيء تقريبا قابل للبيع في هذه المنطقة. مؤكدا، يساهم التواجد الخليجي بتحقيق جانب من الأهداف الإستراتيجية للاقتصاد البريطاني وتحديدا جلب أموال من الخارج وبالتالي تعزيز عجلة الدوران الاقتصادي في البلاد. طبعا الحديث عن مبالغ كبيرة نسبيا وبالأخص في مجال التسوق. فحسب وسائل الإعلام البريطانية، يزيد متوسط نفقات الخليجي في شهر أغسطس على 3 آلاف جنيه انجليزي أو نحو 4800 دولار. واستنادا لرقم يعود لنحو ثلاث سنوات، تزيد قيمة نفقات رعايا دول مجلس التعاون الخليجي عن 1.5 مليار دولار سنويا فيما يخص التسوق دونما الأمور الأخرى. اللافت في الأمر هو أن نسبة من هذه المصروفات تنصب في مصلحة الاقتصاد القطري وذلك على خلفية الاستثمارات النوعية للمارد الخليجي. من جملة الأمور، استحوذت شركة قطر القابضة في العام 2010 على ملكية متاجر (هارودز) الشهيرة في العاصمة البريطانية والتي يرتادها 15 مليون فرد سنويا بمبلغ قدره 2.2 مليار دولار. تعتبر شركة قطر القابضة بمثابة الذراع الاستثمارية لهيئة قطر للاستثمار والتي بدورها تدير الأصول التابعة للدولة.إضافة إلى ذلك، تعتبر قطر المستثمر الأبرز في شركة (سالزبري) العاملة في مجال البيع بالتجزئة وهي من المحال التي يرتادها الرعايا الخليجيون للمشتريات المنزلية. كما تعد قطر أكبر مستثمر في شركة (سونع بيرد إيستس) والتي بدورها تمتلك المنطقة التجارية في (كاناري وولف) في لندن. تعد الاستثمارات القطرية بمثابة دليل دامغ على قدرة بريطانيا استقطاب استثمارات من مختلف بقاع العالم. وحسب تقرير الاستثمار الدولي للعام 2011 ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والمعروف اختصار باسم (الأونكتاد)، استقطبت بريطانيا استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 46 مليار دولار في 2010. وهذا يعني حلول بريطانيا في المرتبة السابعة دوليا بعد كل من الولايات المتحدة والصين وهونج كونج وبلجيكا والبرازيل وألمانيا بالنسبة فيما يخص قيمة الاستثمارات الأجنبية الواردة في العام 2010. من جهة أخرى وحسب نفس التقرير، تتميز بريطانيا باستحواذها على أكثر 1.7 تريليون أو نحو 9 في المائة من الحجم التراكمي للاستثمارات العالمية الأجنبية والذي يفوق عن 19 تريليون دولار. تعود قدرة بريطانيا على استقطاب استثمارات أجنبية لأسباب تشمل وجود قوانين توفر سبل الأمان للمستثمرين. تتطلب القدرة على استقطاب الزوار بشكل دائم احترام ثقافة الآخرين وتسهيل ممارستها وهي من الأمور المقدرة في بريطانيا. وفي هذا الصدد، تتميز بريطانيا بالتنوع الثقافي وتحمل مختلف الثقافات الأخرى بدرجة أفضل من دول أوروبية أخرى مثل فرنسا. فلا يوجد حديث في بريطانيا حول منع النقاب أو فرض قيود على الحجاب. ففي خضم الحديث عن جدلية النقاب في فرنسا، أكد لي دبلوماسي بريطاني بأن بريطانيا ترى في التنوع الثقافي ميزة تنافسية لمجتمعها واقتصادها وعليه سوف لن تضع أبدا قيودا على الحريات الفردية في ممارسة الطقوس الدينية. وفي هذا العام، ذهبت السلطات المحلية خطوة أبعد حيث أبدت تقديرها للفن العربي بدليل إطلاق مهرجان شباك حول الفن العربي في الفترة ما بين 4 حتى 24 يوليو برعاية رئيس بلدية لندن (بورس جونسون)، أما وسائل الترفيه الاعتيادية فحدث ولا حرج، إذ يحيي العديد من المطربين حفلات خاصة خلال موسم الصيف، كما توفر العديد من المحال التجارية نسخا من الصحف الخليجية وبالتالي إمكانية عدم الانقطاع عن الأخبار المحلية في الوطن الأم. وقبل ترك لندن، لمست الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان المبارك بما في ذلك متطلبات هذا الشهر الكريم من أمور روحية ومادية. وقد سألت أفرادا ينتمون لثقافات متنوعة حول طبيعة شهر رمضان في لندن وكان الرد بأنهم لا يحسون بالغربة رغم بعدهم عن أوطانهم بسبب توافر كل ما له علاقة بالشهر الفضيل. باختصار، تتميز بريطانيا بقدرتها على استقطاب الزوار والاستثمارات من دول مجلس التعاون الخليجي والمحافظة عليها وتقويتها، بل يساهم الوجود الخليجي في تعزيز الرفاهية مستوى المعيشة خلال الصيف نظرا لاستعداد عدد كبير من المحال التجارية فتح أبوابها لساعات مطولة نظرا لوجود الطلب. في صيف بريطانيا الاقتصاد الوطني هو الرابح الأكبر من توافد الزوار إلى المملكة المتحدة من كل حدب وصوب لقضاء أوقات سعيدة في ربوعها.