13 سبتمبر 2025

تسجيل

ثورة أم بروفة ثورة؟

07 يونيو 2011

روحانية الميدان تجلت في الإيثار و"الأنا" أطفأت ضوء القمر الأحداث في مصر تتلاحق، وغالبا ما تخرج عن النص، واللاعبون على المسرح يتزايد انشغالهم يوما بعد يوم بقضايا متعددة تتوحد أحيانا وغالبا ما تختلف، عاشت مصر الغناء الأوبرالي العظيم الذي امتد منذ وقفة الشباب الصامتة في كل ربوع مصر لخالد سعيد سواء دعاء بالرحمة أو طلبا للثأر، في مشهد هو أقرب إلى البروفة الجنرال للخروج العظيم الذي بدأ في الخامس والعشرين من يناير. تصاعد الخروج العظيم للشعب حتى تحقق عزل الرئيس السابق، وما زال يأتي في صورة زخات بشرية لتصحيح مسار أو للضغط لتحقيق هدف. ولغياب الثورة عن السلطة، وغياب الرؤية عن الثورة، والتشتت في الخطط الزمنية المطروحة واختلاط الأولويات، اعتقد كل لاعب أن ما يشغل باله من قضايا وعناوين هو الأولى بالرعاية من غيره، كفرقة موسيقية على مسرح الأوبرا، لا أحد يعلم إن كان أعضاؤها من العازفين أو عابري السبيل الذين ساقتهم أقدامهم إلى المسرح وليست قدراتهم، كل منهم يخرج أصواتا، والمايسترو غائب، لم يخوضوا معا بروفة قبل الحفل الكبير، فصار الحفل بروفة لمعزوفة مجهولة المصدر والهدف والمحتوى، وصارت الحياة هي بروفة حياة، والثورة بروفة ثورة. وكما تصور البعض في إعقاب انتحار الشاب التونسي محمد بوعزيزي، أن الانتحار كان زناد تفجير الثورة التونسية، وتوالت مشاهد الانتحار في الجزائر ومصر، أخطأ البعض الآخر بالاعتقاد أن مجرد الاحتشاد بلا مضمون وتحت أي عنوان هو دلالة إرادة، ويمكنها أن تساوي ثورة شعب. تتوالى المشاهد في مصر، حصار للإعلام، واغتيال معنوي للقضاة أصحاب الرأي، ولعبة السلم والثعبان في أمر التحقيقات فيما يسمى بالكسب غير المشروع، ثم حلقات حوار مجهولة الأعضاء ويلف غاياتها ضباب كثيف يحول بينها وبين المجتمع، حتى أن دعوة للشباب للاجتماع والمجلس العسكري، الدعوة إلى شباب الثورة، بلا تعريف واضح لمعنى شباب الثورة، وكأن الثورة بلا أب، وأن الشعب خارج الاعتبار. ضجيج وصخب وصراخ وأمن مفقود. قضية القضايا في مصر الآن هي الأمن المفقود وليس الدور التائه الباحث عن فارسه، وليس الوعي العائد مغتربا بين أهل الوطن الذين في أشد الحاجة إليه، وليست أيضاً الاعتقاد السائد أن مجرد نطق الكلمة يعادل التجربة، ولا هي ذلك النمو السرطاني لتجمعات تحمل من الثورة والشباب والالتئام مجرد الاسم. الجميع يرصد نمو الجريمة، وتكاد نسبة عالية منها تقع تحت توصيف الجريمة المنظمة، ويكشف تنوعها حجم العقل المخطط لها، وانتشارها بأنواع من الأسلحة يتجاوز أي تصور عن توافرها وبهذه الكميات، ليست أسلحة بيضاء يمكن تصنيعها ولكنها أسلحة نارية متنوعة تتجاوز حتى بنادق الكلاشينكوف. وصدر تصريح عن وزير العدل في وزارة تسيير الأعمال أن عدد البلطجية في مصر يصل إلى نصف مليون بلطجي، وأن تكلفة الفرد منهم خمسة آلاف جنيه لليوم الواحد، أي أنهم قادرون على رصدهم عددا، ويعلمون تكلفتهم قطعيا. وترصد المعلومات أن الأمن بدأ في إعادة الاتصال بالبعض من البلطجية، ربما هؤلاء من كانوا بعيدا عن متناول الأمن في أعقاب خلل إعادة ترتيب البيت الداخلي للأمن، والغريب أن إعادة الاتصال بهم ليست بهدف عزلهم عن المجتمع، ولكن الهدف ما زال مجهولا، والبلطجية من هذا النوع كانوا يبحثون عن مصادر للرزق، والآن توقفوا عن البحث مما يؤكد أنهم استعاضوا عن العمل بأشياء أخرى كمصدر للرزق. تعدد الجرائم وتنوعها وحدتها وتكرارها في ذات المواقع تؤكد أنه لا رادع لها، وليس للمجرمين خشية من مواجهة أجهزة الأمن. وانتقلت الجرائم من سرقة كابلات التليفونات، إلى الاختطاف لرجال وسيدات، وإن كانت جريمة اختطاف السيدات مبررة جنسيا، إلا أن اختطاف الرجال أمر لا تفسير له إلا الثأر، أو مجرد الترويع، فالإنسان من دون حماية له سلعة سهلة ورخيصة. ووصل الأمر إلى القرصنة على الطرق بين المدن، وبتكتيكات متنوعة وتنتهي إما باقتناص السيارات وما يمتلكه ركابها، أو يضاف إليها قتل الركاب أيضا. وضاعف من أثر هذه الجرائم ومعدلات تكرارها، انعدام أي خطة أمنية محسوسة لمواجهتها، وعلى حد تعبير أحد الخبراء الأمنيين، "نحن يجب ألا ننتظر خروج البلطجية إلينا، بل المفروض أن مواقعهم ونوعياتهم مرصودة وهم معروفون على الأقل بنسبة %80، ويجب أن نذهب إليهم، إعمالا لقاعدة أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع". وتتسرب أنباء عن تعليمات أمنية تطالب الضباط والقيادات المحلية بالهدوء والتروي والتزام الحذر. وبلغ الأمر داخل مؤسسة الشرطة بعدم إلزام رجالها بتنفيذ خطة الأمن أيا كان استغراقها للوقت، ولكن تم تحديد ساعات للعمل الوظيفي، وتحديد مقابل لساعات العمل الإضافية، في حال القبول بالعمل الإضافي، بمبالغ تبلغ 1.5 جنيه للساعة للرتب العظيمة، فما بالنا بالرتب الأقل، وكأن صانع القرار يقول لهم الزموا منازلكم بعد ساعات العمل الرسمية. وانتقل مفهوم العمل الشرطي من كونه رسالة، إلى أنه وظيفة. ففقد الدافع الرئيسي في العقيدة والمنهج التي تحكم أداء عناصره. ومن جانب آخر، يخرج وزير داخلية تسيير الأعمال بتصريحات لا تطفئ جذوة الغضب الشعبي من ممارسات الشرطة السابقة حتى يوم 28 يناير يوم مذبحة جمعة الغضب، تصريحات من نوع أن من قتلوا في المظاهرات والهجوم على مقار الشرطة ليسوا شهداء بل "بغاة"، وأن الشرطة كانت في حالة دفاع عن النفس، وبينما يعلم الجميع المسؤولون عن المواجهات الدامية، يتم نقلهم إلى وظائف أكثر سخاء ماليا، وكأن الجهاز يكيد للشعب، وبدلا من إزاحة الفاسدين والمسؤولين عن الجرائم، والدفع بالعناصر غير المتهمة بكل هذا، يتم التحريض بوجوب اعتذار الشعب للشرطة. وتتباطأ عملية المحاكمات، بل وتطلب النيابة شهود رؤية قطعية لعمليات القتل من هذا الفرد الشرطي لذلك الشهيد. ووصل الأمر بعلامات الاستفهام إلى حد القول إنها خطة منهجية لإثارة الفوضى والغياب عن أداء الدور الأمني، لشغل المجتمع والمواطنين عن قضايا الحياة وإعادة البناء. وتتصاعد ردود الفعل الشعبية العفوية على أداء بعض رجال الشرطة إلى حد حرق قسم الأزبكية بوسط العاصمة لاعتقاد تسرب إلى الأهالي أن الشرطة قتلت سائق سيارة ميكروباص. وتنتقل اللائمة إلى كيف نعيد تأهيل الشعب للتعامل مع الشرطة بديلا عن تأهيل أفراد الشرطة لأداء دورهم، وقبل ذلك تأهيل البيئة التي يعملون فيها بإجراءات توضح أن التطهير يتم بعزل كل الفاسدين والمتهمين لحين صدور الأحكام في أمرهم، وعند وضوح هذا الأمر أمام المواطنين، سيكون هناك بالقطع إمكانية لتصديق مقولة إن تغييرا تم في منهج الشرطة في التعامل، أما سياسة المكابرة التي تتبعها وزارة الداخلية صارت هي أداة الاستفزاز الرئيسية للمواطنين. الأمن مسؤولية الجميع الجيش والشرطة والشعب، وبدون هذه المنظومة المتكاملة، فلن يتحقق أمن في بيئة ترفض سلوكيات سابقة ولم تتيقن من جدية التغيير في السلوك والهدف، بل وصل الأمر من تخوف أن عودة الشرطة تعني بدء حملة الانتقام من الشعب. إن المقاومة الوطنية للمحتل الأجنبي تبني بيئة صديقة لها بين شعبها الذي تهدف إلى تحريره، فما بالنا بشرطة وطنية تواجه الجريمة ومدى حاجتها إلى بيئة صديقة وآمنة تتحرك خلالها، والأمر لا يكلف إلا الصدق وإجراءات طبيعية لمن هم تحت المحاكمة أو متهمون إلى أن تثبت براءتهم أو إدانتهم. وتجاوز الأمر في العناد إلى مواجهة في دائرة القضاء، ويجري تقديم ثلاثة قضاة إلى التحقيق لظهورهم في أجهزة الإعلام وإعلان آراء لهم في شأن قضايا المجتمع الحالية. ويبلغ الأمر أن تنعقد الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية يوم الثلاثاء 31 مايو، وتصدر قرار بحظر ظهور أعضاء المحكمة والمفوضين، في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، وكذلك عدم المشاركة في أي ندوات أو مؤتمرات، أو الحديث فيما يتعلق بالشأن العام والأحداث الجارية. وكأن القرار يقول بمنع المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية بالذات من دورها المجتمعي والبعيد عن الممارسة السياسية، وذلك بعد أن قادت حملة ضد تأجيل الدستور ضمن مجموعة من أساتذة القانون وفقهائه، وكانت هي وسط الكوكبة نجما بازغا طافت محافظات مصر وأجهزة الإعلام شارحة معنى الدستور ولماذا، ووجوب أن يسبق أي انتخابات، ووصل الوعي بالقضية إلى الشعب، وجاء قرار الجمعية العمومية متأخرا وبلا تأثير، بل اصطف العديد من أساتذة القانون للدفع بعدم دستورية هذا القرار لأنه يمنع مواطنا من حق إبداء الرأي الذي يكفله الدستور. وانتقلنا من أن الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا هي الحامية للدستور إلى كونها معتدية عليه، ضربة أخرى إلى البيئة الآمنة، ومسار جديد تنتهجه مراكز القوى المضادة للثورة، وهو مسار الاغتيال المعنوي لعناصر الوعي والريادة داخل المجتمع. وتتداعى أسئلة حول ما كان وما هو الممكن: هل كان من الخطأ ترك ميدان التحرير؟ وهل يمكن تصحيح الخطأ؟ هل الانفلات الأمني دلالة عجز وقصور في الأداء أم أنه خطة منهجية لحصار الثورة؟ هل نلطم الخدود أم ننتقل إلى استكمال أداء كانت آخر مشاهده المضيئة جمعة الغضب الثانية؟ أليس بينهم عقل رشيد نستدعيه دون أن يمن علينا بفضل الانحياز للثورة الغائبة عن الواقع في اللحظة الراهنة، أو أن يتمترس خلف ادعاء القوة وامتلاك حق الإحالة للمحاكمات العسكرية؟ أعتقد نعم يمكن للشعب تحقيق أهدافه بالخروج الثالث، وتحمل مسؤولية الأمن مباشرة عبر اللجان الشعبية كما حققها يوم 27 مايو في جمعة الغضب الثانية، وها هي دعوة جديدة تنادي بالخروج يوم العاشر من يونيو في جمعة استعادت الأمن للمواطن، وهو ما يعني أن الغياب عن الميادين هو مقتل الثورة والاحتشاد فيها هو ضمانة استمرارها. كتبت بائعة الذهب من أهل التحرير تصف الحال " تجلت روحانية الميدان في الإيثار.. فما إن تذكر كل منا تلك "الأنا" حتى انطفأ ضوء القمر.. فلم نعد نستبين الطريق". أيها السادة نحن نحيا ثورة وليست بروفة ثورة.