09 سبتمبر 2025
تسجيلمما يشق على نفس المرء أن يجد نفسه مكروهاً بين الناس، قد غلب نفورهم منه على وده، ولعله يغيب متسائلاً عن سبب ذلك وهو يعلل النفس بأنها مشكلتهم لا مشكلته، ويهدهد الخاطر بأنهم هم من خسروه، فمن الواجب أن من يحبه سيحبه كما هو، ويقبله بجملته على علاّته بحسنه وسوئه، بنوره وظلامه، وأنه (من ناحيته) لن يبذل الجهد في التودد أو السعي في نيل القبول!. بل وقد يخال السعي في ذلك من التذلل غير المحمود، ومما يخدش أنفته وعزة نفسه!. بل وقد يزعم أن ذلك من التلوّن والمداهنة الممجوجة لنيل الرضا، أو الحصول على الود!. وقد يغفل أن العلاقات بين الناس ليست ذات اتجاهٍ وحيد! فغالب الناس يميلون بطبعهم إلى من يعاملهم بسموّ الخلق، وطيب الكلم، ولطافة المعشر، من يتودد إليهم من غير إذلال، ومن يتلطّف في سلوكه معهم من غير استهانة، ومن يتغافل عن عيوبهم دون خنوع، من يبادر بالابتسامة والوجه الطلق، ويبدأ بالإحسان واللطف، فلو كان المرء فظاً غليظ القلب لانفضوا من حوله!. وفي المقابل من يتزن في ذلك، فهو يُحسن نيته لله قبل أي أحد، ويرتقي بنفسه لنفسه، قبل أن يكون همّه كسب ود العالمين، فلا تذهب نفسه حسرات إن لم يُقدّر أو لم يُشكر، ولا يحزن قلبه إن عاداه أحد أو كرهه، ولن يتفاجأ إن لم يُرّد له الإحسان بإحسان مثله، فلن يجتمع على حب إنسانٍ أحد، عندها تكون قد استوفيت من الأمر شرطه، وقدمت إلى بارئك معذرتك، وسموت بنفسك تهذيباً وارتقاءً، و بذلت دفعاً بالتي هي أحسن، حينها فقط يمكن القول إن المشكلة مشكلتهم هم..لا مشكلتك. *لحظة إدراك: ما أبهى أن يتزّن فكر الإنسان وشعوره، وأن يتبصّر بدوره دائماً فيما يحدث له، فذلك من الحكمة التي تضع الأمور في نصابها، فيعي أن له من المسؤولية في كل أمر نصيبه المُقدّر، فيسعى فيما بين يديه من الأسباب، وأولها تنقية نواياه، وتطهير دواخله، ويتبعها ببذل الإحسان على شاكلة ما يريد أن يتلّقاه، فالأصل أن جزاء الإحسان إحسان مثله، والله يضاعف لمن يشاء، وإن شذّ من شذ، فلن يضره، لأنه مؤمن أن اجتماع الناس على أمر واحد ضرب من المستحيل.