13 سبتمبر 2025

تسجيل

ميزان الكلمات

07 مايو 2014

"من لم يستطع وزن كلماته فليحتمل من خصمه لكماته"للكملة خطورتها ووزنها في عند عقلاء القوم والحكماء، وقد قالوا إن الحكيم يزن قوله بميزان أدق من ميزان الذهب لإدراكهم قدر الكلمة وخطورتها، يقول بعض المعاصرين: إن الكلمات الجميلة تؤدي إلى معان ونتائج طيبة تحتاج إلى التأمل، وتؤدي أيضاً إلى مزيد من تأكيد أهمية وخطورة الكلمة. أما الكلمات السائبة فإنها تؤدي إلى نتائج خائبة. وهذه معادلة صحيحة، فالكلمات السائبة وهي التي لا اهتمام بها ولا ضبط لها تؤدي في غالب الأمر إلى نتائج فاسدة. ومخرج كلمة الخير والشر واحد والمفتاح بيدك، فتأمل ماذا تقول. ويكفي لتبيان خطورة المقام حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً) هذا من أثر كلمة واحدة يقولها لم يقصد بالتأكيد آثارها تلك، ولذلك لا عجب أن جعل الله مسار الكلمة الطيبة مرتبطا بالإيمان كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فالصمت عن الحديث عند غلبة الظن من آثارها يعد مطلبا شرعيا وواجبا دينيا، كما أن النطق بالكلمة إحقاقا للحق يعد كذلك مقصدا دينيا. يقول بعض الحكماء : الصمت يجمع للرجل فضيلتين: السلامة في دينه، والفهم عند صاحبه. وغالبا نجد المتحدث كثيرا لا يستطيع أن يفهم إلا قليلاً، وكما يقال: الجوارح تتوزع عليها المهام، فإذا اشتغل اللسان كثيراً يكون ذلك على حساب العقل والفطنة، وإذا امتلأ البطن بالطعام صار الحال كما قيل: إذا امتلأت البطنة ذهبت الفطنة. وهكذا عندما تركز البصر في أمر ما فإنك تجد أن سمعك لم يعد مدركاً، وعندما يجول خاطرك في قضية ما فإنك قد لا تسمع أو قد لا تبصر من مر بك؛ لأن الحواس إذا تركزت في جانب ربما يقل إدراك واستيعاب الحواس الأخرى لها.ولخطورة الكلمة وآثارها المدمرة يقول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: (والله الذي لا إله إلا هو ما من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان) وعند التأمل في قوله رضي الله عنه تستشعر المعنى المراد، فالسان حقيقة في سجن ساجنه أضراس شداد وبعد الأضراس باب لين، فإذا تحكم العقل فيه وفق الأصول الشرعية قاده إلى الخير والحق.لقد كان السلف يتواصون بضبط اللسان والتحكم فيه يقول ابن وهب يقول: إن في حكمة آل داود مكتوباً: (حق على العاقل أن يكون عارفاً لزمانه، حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه). ويقول الحسن البصري رحمه الله أنه قال: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه. ويقول منح بن عبيدة: ما من الناس أحد يكون منه لسانه على بال إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله. وعن بعض أهل الحكمة أنه قال: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت. لأنك إذا قلت الكلمة فمن الصعب عليك أن تردها؛ لأنه قد يمنعك من ذلك كبر، وقد يمنعك من ذلك أن من سمعها منك قد شرقوا وغربوا وتفرقوا، فلا تستطيع أن تنسخ تلك القولة عند كل أحد، وأما إذا لم تقلها فإنها ما زالت تحت سيطرتك تفكر فيها وتتأمل في مراميها ثم تخرجها عن بصيرة وعلم. ولذلك قال الآخر: إذا تكلمت بكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني.وقد قال أبو النواس في ذلك كلاما جميلا وفيه:خَلِّ جَنْبَيْكَ لِرَامٍ وَامْضِ عَنْهُ بِسَلَامٍمُتْ بِدَاءِ الصَّمْتِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ دَاءِ الْكَلَامِرُبَّمَا اسْتُفْتِحَ بِالْقَوْلِ مَغَالِيقُ الْحِمَامِرُبَّ قَوْلٍ سَاقَ آجَالَ قِيَامٍ وَفِئَامِإِنَّمَا السَّالِمُ مَنْ أَلْجَمَ فَاهُ بِلِجَامٍ.وفي كثير من الأمثال ما يدل على عمق وأثر هذه الكلمة، كما في بعض الأمثال: (رب كلمة قالت لصاحبها دعني). أي: اتركني ولا تنطق بي؛ فإنك لا تدري ما أجر عليك من البلاء والوباء إذ لم تراع الله عز وجل في نطقي، أو لم تنتبه إلى ما يترتب على نطقي أو إشاعتي من خطر وزلل. وكما قال قائل: إن الحرب أولها كلام.يقول قائل: العاقل العالم لسانه وراء عقله، والجاهل عقله وراء لسانه، تراه لا يفكر إلا بعد أن ينطق بالكلمة وقد مضى القول وانتهى الأمر.وللخروج من آفة الكلمات التي تتبعها عادة لكمة لا يتوقعها القائل ولا يحسب لها حسابها ؛ غلق الفم وتحكيم العقل ويقدم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حلا عمليا بقوله: من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن عد كلامه من عمله قل كلامه فيما لا يعنيه.