13 سبتمبر 2025

تسجيل

هناك شيء خرب

07 مايو 2013

كسرت ثورة يناير في مصر حاجز الخوف وعرف الشعب طريق التمرد وحقق به إزاحة رأس النظام، وتجاوز احتمالات إخضاعه، ولكن نتيجة أخرى تلح أمام أعيننا أن حالة من الخرف أصابت اللغة والعقل، فرضت على المجتمع قضايا لم تكن في حسبانه أو من صميم معاناته التي دفعت به إلى الانفجار في مواجهة النظام القائم، وصار ضجيج هذه القضايا المستحدثة يعمي الأبصار عن حقائق ما يدور من حوله، وأثارت من الشقاق والانقسام والإحباط أكثر من تثبيت لحظة امتلاك الإرادة والسعي لتحقيق أن تكون إرادة الشعب هي مصدر السلطات. انشغل المصريون بفتاوى تحريم أكل الفسيخ والبيض الملون والبصل في مناسبة يوم شم النسيم، وفتاوى تحريم تهنئة المسيحيين المصريين بعيد القيامة المجيد، وبلغت قعقعة الفتاوى مداها، وكانت ستارة الدخان تخفي حقائق ما يجري فوق الأرض، ومن حولهم، ويهدد وجودهم ذاته. وقبل أن ينتهي حديث الفسيخ والبيض الملون في مصر، كانت إسرائيل تقصف مواقع عسكرية ومدنية على مسافة 12 كيلومترا من دمشق، ويقول أوباما كما نتنياهو "بحق إسرائيل في الدفاع عن أمنها القومي"، ويتحدث مصدر إسرائيلي أن الهجوم الثاني خلال ثلاثة أيام يستهدف منع وصول صواريخ إيرانية إلى حزب الله، وغير هذا مازال الحديث عن خطر تسرب مخزون الأسلحة الكيميائية إلى أيد "إرهابية"، أي أن كل الاحتمالات مفتوحة وبنك الأهداف والتبريرات يتسع وبلا أفق، وأيضا بلا رادع. ما آلت إليه الأوضاع في المنطقة، لا يعني علي الإطلاق أن حركة الشعوب ضد الاستبداد لم تكن تحمل شرف الوطنية، وأنها صناعة خارجية، وأن الشعوب كانت محل الخداع، وانساقت تؤدي دورها في مؤامرة علي المنطقة العربية مسلوبة الإرادة. ولكن حركة الشعوب وما حملته من مفاجآت والأهداف التي أعلنتها، استدعت التحول في المواجهة بإطلاق تحالف "أمريكا ـ الناتو ـ إسرائيل"، كل خططه وترتيباته وليستخدم كامل أسلحته. كما أشار العديد من المحللين أن خطط الناتو كانت توزع المهام على أعضائه، التدخل في ليبيا يكون مسؤولية فرنسا وإنجلترا وإيطاليا، والتدخل في سوريا يكون مسؤولية تركيا، ولم نلحظ في الأحاديث من يتولى أمر مصر إن لزم الأمر التدخل، ولم يذكر أحد أن الشريك الأساس في كل ذلك هي إسرائيل. ولم يتكشف دور أجهزة المخابرات و "تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية". تفكيك الدولة في مصر لم يلبث أن وجد له ظهيرا في مقالة عميقة نشرها البروفيسور مايكل شوسودوفسكي علي موقع جلوبال ريسيرش بتاريخ 24 يناير 2013 تحت عنوان "محو الدول عن الخارطة": من ذا يُفشِل "الدول الفاشلة"؟ ينقل عن البروفيسور إريك واندل: "لقد هاجمت الولايات المتحدة، على نحو مباشر أو غير مباشر، نحو 44 بلداً في العالم منذ عام 1945، بل إنها هاجمت بعضها على نحو متكرر. وكان الهدف المعلن لتلك التدخلات العسكرية إحداث "تغيير في نظام الحكم". وفي كل الحالات كانت تستخدم ذرائع "الديمقراطية" و "حقوق الإنسان" لتبرير تلك الأعمال الأحادية غير القانونية. وينقل عن الجنرال ويسلي كلارك "هذه مذكرة "للبنتاغون" تصف كيف سنقوم باجتياح سبعة بلدان خلال خمس سنوات، بدءاً بالعراق ثم سورية، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان، وانتهاء بإيران. قلت هل هي سرية للغاية؟ قال "نعم يا سيدي"، فقلت إذن لا ترني إياها". ويضيف حول مصطلح "الدول الفاشلة"، "يتوقع" تقرير التوجهات العالمية (ديسمبر 2012) الصادر عن مجلس الاستخبارات القومي في واشنطن، أن تتحول 15 دولة في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط إلى "دول فاشلة" بحلول العام 2030 كنتيجة للمنازعات المحتملة والمعضلات البيئية. وتشمل قائمة البلدان في تقرير المجلس لعام 2012 كلاً من أفغانستان، النيجر، مالي، كينيا، بوروندي، إثيوبيا، رواندا، الصومال، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ملاوي، هايتي، اليمن. وفي تقريرها للعام 2005 والذي نشر عشية التجديد للولاية الثانية للرئيس بوش، توقع مجلس الاستخبارات القومي أن تصبح الباكستان دولة فاشلة بحلول العام 2015 تحت تأثير الحرب الأهلية والطلبنة والصراع من أجل السيطرة على الأسلحة النووية. وقورنت الحالة الباكستانية وقتها بيوغسلافيا التي تشظت إلى سبع دول تابعة بعد عقد من "الحروب الأهلية" التي رعاها وأدارها الناتو والولايات المتحدة. وفيما يشير إلى أن الدول الفاشلة تصبح ملاذاً آمناً للمتطرفين دينياً وسياسياً، فإن التقرير لا يعترف بحقيقة أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد دأبت منذ السبعينات من القرن الماضي على تقديم الدعم السري لقوى التطرف الديني كوسيلة لزعزعة استقرار دول وطنية علمانية. الدول الفاشلة من الطراز اليوغسلافي أو الصومالي ليست نتيجة للانقسامات الاجتماعية الداخلية، بل هي هدف استراتيجي تم تحقيقه عبر العمليات السرية بما في ذلك العسكرية. يقوم صندوق السلام Fund for Peace في واشنطن المتخصص في "الأبحاث من أجل الأمن المستدام" سنوياً بنشر مؤشر الدول الفاشلة Failed States Index بالاستناد إلى تقييم المخاطر. ثمة 33 دولة جرى تصنيفها كدول فاشلة (ضمن فئتي الإنذار Alert أو التنبيه Warn). وأن "الدول الفاشلة" هي أهداف للإرهابيين المرتبطين بالقاعدة. ويأتي التصنيف التراتبي السنوي لصندوق السلام ومجلة فورين بوليسي للدول الفاشلة والهشة بمؤشرات عالمية مثيرة للقلق في وقت تتصاعد فيه المخاوف الدولية من إقامة المتطرفين المرتبطين بالقاعدة دويلة حاضنة في شمال مالي لتوسيع نشاطاتهم الجهادية. وبطبيعة الحال، لم يشر التقرير إلى تاريخ القاعدة بوصفها أداة استخبارية أمريكية أو إلى دورها في نشر الانقسامات والاضطرابات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وإفريقيا، حيث تشكل نشاطاتها في معظم هذه المناطق جزءاً من الأجندات الاستخبارية السرية الشيطانية. من هذا التقرير الدراسة، الأمر لم يعد مجرد مصالح بالمنطقة العربية، ولكنها لعبة أمريكا في إفريقيا وآسيا، للوصول إلى الخصم المباشر في الصين عبر شبه القارة الهندية، ولإقرار أن القرن الواحد والعشرين هو القرن الأمريكي. العالم الثالث ارض صراع، والكل أدوات، والقطب الذي يحقق النتائج هو أمريكا، وتكشف الدراسة الثانية الوجه القبيح للأدوات الأمريكية، بعيدا عن أمريكا مراكز البحث والتخطيط والظاهر من سلوكيات الإدارة وحتى العلم والشعب، ويكتب البروفيسور شوسودوفسكي دراسته الثانية تحت عنوان "فرق الموت الأمريكية"، ويحدد فيها. يعتبر توظيف فرق الموت جزءاً من الخطة الاستخبارية - العسكرية المحكمة للولايات المتحدة الأمريكية. فتاريخ الولايات المتحدة الطويل والرهيب في التمويل السري ودعم كتائب الموت والاغتيالات المستهدفة تعود إلى الحرب الفيتنامية. وقد صممت عمليات تشكيل وتدريب كتائب الإرهاب في البداية بالعراق على غرار "الخيار السلفادوري"، وهو "نموذج إرهابي" لعمليات قتل جماعية تنفذها فرق للموت كانت ترعاها الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى. وقد طبقت بداية في السلفادور، في أوج المقاومة ضد الديكتاتورية العسكرية هناك، بدء تأسيس فرق الموت في العراق خلال الأعوام 2004 – 2005 بمبادرة قادها السفير الأمريكي جون نيغروبونتي. وهو "الرجل المناسب للمهمة". فبصفته سفيراً للولايات المتحدة في هندوراس ما بين 1981 – 1985، لعب الرجل دوراً رئيساً في دعم وتوجيه عصابات الكونترا النيكاراغوية المقيمة في هندوراس، وكذلك الإشراف على فرق الموت الهندوراسية. وبذات المنهج جرى "تشكيل قوات ضاربة من المقاتلين الأكراد والشيعة لاستهداف قادة التمرد "المقاومة" في نقلة نوعية تحاكي جهود مكافحة رجال العصابات اليساريين في أمريكا الوسطى قبل عشرين عاماً". ففي إطار ما سمي "الخيار السلفادوري"، ستكلف القوات العراقية والأمريكية باختطاف وقتل قادة التمرد، بل وحتى مطاردتهم في سورية، حيث كان بعضهم يقيمون كلاجئين. ونظراً لما كانت تثيره أعمال فرق الموت تلك من حساسيات، فإن معظمها سيبقى طي الكتمان. وفيما الهدف المعلن للـ"الخيار السلفادوري في العراق" كان "القضاء على التمرد"، فإن كتائب الإرهاب المدعومة أمريكياً انخرطت في أعمال قتل روتينية للمدنيين بهدف إثارة العنف الطائفي. وبدورهما، فإن جهازي الاستخبارات الأمريكية CIA، والبريطانية MI6 كانا يراقبان عن كثب وحدات "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" المنخرطة في الاغتيالات المستهدفة للشيعة. والأمر اللافت، أن فرق الموت كانت مدمجة وتتلقى التوجيه من القوات الخاصة الأمريكية على نحو سري. وضم نيغروبونتي إليه روبرت ستيفن فورد، الذي يتقن العربية والتركية، وهو السفير الحالي لأمريكا في سوريا منذ يناير 2011. كُلف نيغروبونتي وفورد بتجنيد فرق الموت العراقية. وفيما قام نيغروبونتي بإدارة العمليات من مكتبه في السفارة الأمريكية، عُهِدَ إلى روبرت فورد، بمهمة التأسيس لعلاقات إستراتيجية مع مجموعات المليشيا الشيعية والكردية خارج "المنطقة الخضراء". روبرت فورد واحداً من فريق بالخارجية الأمريكية اضطلع بالإشراف على تجنيد وتدريب الكتائب الإرهابية، إلى جانب كل من دايريك شوليه وفردريك سي. هوف، شريك أعمال سابق مع ريتشارد إرميتاج، والذي عمل كمنسق واشنطن الخاص للشؤون السورية. وعُيَن دايريك شوليه أخيراً في منصب مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي. وقد عمل هذا الفريق تحت قيادة جيفري فيلتمان. الذي عين مساعداً للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية (يونيو 2012)، وهو منصب استراتيجي يُعنى عملياً بصياغة جدول أعمال الأمم المتحدة (بالنيابة عن واشنطن) حول قضايا تتعلق بـ"حل النزاعات" في العديد من "النقاط الساخنة سياسياً" حول العالم "بما في ذلك الصومال، لبنان، ليبيا، سورية، اليمن، ومالي". وللسخرية المريرة، فإن البلدان التي تشكل موضوعاً لـ"حل النزاعات" بالنسبة للأمم المتحدة، هي ذاتها التي تستهدفها الولايات المتحدة بالعمليات السرية. الأسماء والمناصب ومجموعات العمل تؤكد أن خطط أمريكا لا تتغير بتغير الإدارة. تفكيك الدولة ليس أمرا عارضا في مصر، هو داخل ذات الإستراتيجية، وبذات الأدوات، والحفاظ علي الجيش المصري والأجهزة السيادية يجب أن يكون حاضرا في الوعي، وتقدير الموقف للوقائع من حولنا يجب أن يتسع لها الأفق، حتي لا تأخذ الدعايات بأمننا القومي، ولعل المصريون يتذكرون أن بوابة مصر الشرقية هي الشام، وأن إسرائيل هي المصدر الرئيس للخطر، وأن نميز بين قنابل الدخان وبين صلب الأهداف الوطنية، ووحدة المصير القومي.