11 سبتمبر 2025
تسجيلمن القضايا التي أصلها الإسلام وجعلها أحد أهم البنيان الاجتماعي هو قضاء حوائج الناس والإحسان إليهم وتفريج كربهم، وهذا الفضل لا يُحسِنه كُلُّ أحدٍ، ولا يوفق إليه كل الناس، ورسولنا صلى الله عليه وسلم قبل بعثته كان من ضمن شمائله الكريمة: قضاء حوائج الناس، فقد قالت خديجة رضي الله عنها له يوم أن جاء فزعاً من الغار: «كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق». ومن تتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه ما ترك سائلا إلا أعانه ولا فقيرا إلا أعطاه ولا صاحب حاجة إلى سعى في قضاء حاجته، وما توفيته غُرماء جابر وقضاءه دين بلال رضي الله عنهما، إلا غيض من فيض. إن الإحساس بآلام الناس والقيام بخدمتهم وقضاء حوائجهم من تمام رحمته صلى الله عليه وسلم، وكمال جُودِه وسَعيِه، وحسن أخلاقه وجميل صفاته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، وليس عنه هذا بغريب فقد قال الله تعالى عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. فكانت حياته كلها تجسيدا لتلك الرحمة، عن جابر بن عبد الله - رضِي الله عنه - قال: (ما سُئِل رسول الله - صلّى الله عليه وسلَّم - شيئًا قطُّ فقال: لا). وقد قعد النبي صلى الله عليه قواعد ثابتة في فضل تفريج الكرب في أحاديث كثيرة منها ما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (من نفَّس (أزال) عن مؤمن كربة من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). ومن فضل تفريج الكربات أنها من أعظم أسباب إجابة الدعوات. عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن تُستجاب دعوته وأن تُكشف كُربته فليفرج عن معسر». وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: (سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أي الأعمال أفضل؟ قال: أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي له ديناً، أو تطعمه خبزاً). إن من سعى في تفريج كربات الآخرين يسعى – في واقع الأمر وحقيقته – لتفريج كربة نفسه، قال تعالى: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنْفُسِكُمْ). وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنفسهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ). فالجزاء من جنس العمل، واعمل ما شئت كما تدين تدان، فعائد العمل يعود على صاحبه أول ما يعود، اعمل ما شئت فإنك مجزيّ به.