12 سبتمبر 2025

تسجيل

الأبعاد المستقبلية لكورونا

07 أبريل 2020

عندما يصرح هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي السابق، أن ما بعد كورونا لن يكون كما قبله، فهذا يعني أنه تم البدء في رسم ملامح المستقبل السياسي والاقتصادي للعالم في مرحلة ما بعد كورونا، وأن الذين يقومون بذلك سيجعلون من الشعوب الأضعف والأقل تقدماً أكباش فداء تتم التضحية بها لضمان استمرار قيادة الغرب للعالم. فالمرض لن ينهي التاريخَ البشريَّ، لكنه سيغير مساراته. والمشكلة التي نواجهها، نحن العرب والمسلمين، تتمثل في أننا لم نخرج بعد من تأثيرات الصدمة الأولى لاجتياح الفيروس للعالم، وما زلنا منشغلين بمآسينا التي نشارك نحن في صنع كثير منها. بداية، لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة بشأن الفيروس، تتعلق بأن الجهود المبذولة في كل دول العالم لمواجهته تقتصر، حتى اللحظة، على إبطاء انتشاره، لأن انتشاره بسرعة سيؤدي إلى انهيار المنظومات الطبية التي ستعجز عن التعامل مع أعداد هائلة من المصابين به، فتكون النتائج وخيمةً على كل المستويات: الإنسانية والسياسية والاقتصادية. وإذا نظرنا إلى عالمنا العربي، فسنجد مستويين للتعامل مع الأزمة؛ الأول، هو وجود قيادات تسخر موارد الدولة ومؤسساتها لحماية الإنسان، كما هو الحال في بلادنا. والثاني، وجود قيادات تتعامل مع الأزمة بخفة سياسية وإعلامية، ولا مبالاة بالتكلفة الإنسانية، كما هو حال القيادة المصرية، مثلاً. وبين هذين المستويين، تتناثر مآسٍ عظيمةٌ في صعوبة التعامل معه، كما هو الحال في غزة واليمن وليبيا والصومال. نعود إلى انعكاسات متلازمة الأمراض السياسية والإنسانية لكورونا علينا، فنجد نتيجتين هامتين: الأولى، هي أن جائحة كورونا عطلت تنفيذ المشروع الصهيوني في المنطقة، ولم يعد بإمكان الأنظمة العربية المنخرطة فيه العمل على إنجاحه، لأن الجائحة لها أبعادٌ أعظمُ من قدرة تلك الأنظمة على احتوائها. فقد بدأت معظم الشعوب العربية والإسلامية في تخليق مقاومة نفسية ذاتية للمرض تتمثل في التعامل معه كعقوبة إلهية لا يزيلها إلا العودة إلى الله. وهذا يعني أن حالةً إيمانيةً نقيةً تتحكم في كل مواقف الشعوب من كل القضايا، ولن يستطيع أحد مواجهة الرفض الشعبي لمحاولات التخلي عن القدس والأقصى، وتشريع وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. ويقودنا هذا الأمر إلى استشراف المستقبل من زاوية أخرى تتصل في وجوب تخلي بعض الأنظمة عن استبدادها داخلياً، وسياساتها الرعناء خارجياً، وأن تسمح بوجود سقف مرتفع من الحريات في بلادها، لتضمن تأييد شعوبها لسياساتها العامة في مواجهة أي محاولات للجماعات المتطرفة لاستغلال الجائحة وما سينتج عنها لنشر الإرهاب والعنف. أما النتيجة الثانية، فتتمثل في زوال خيمة الردع الممتد عن بعض الدول العربية؛ أي قيام دولة عظمى كالولايات المتحدة بحماية دول الخليج كنوع من الردع لقوة عظمى إقليمياً كإيران. فقد تبين أن حدوث أزمة عالمية عامة، كانتشار الفيروس، شغل به الدول الكبرى داخل حدودها السياسية، وأصبح الشأن المحلي هو موضع اهتمامها الوحيد، مما أحدث فراغاً أمنياً ستمتد تأثيراته لسنوات. وهذا يدفعنا للتفكير جدياً في إقامة تكتلات إقليمية في المستقبل تكون تركيا جزءاً منها، لأنها قوة صاعدة حضارياً وسياسياً وعسكرياً، ولها توجهاتها التي تتلاقى مع مصالحنا العربية. وكالعادة، سيخرج علينا المتصهينون العرب بدعاواهم السياسية الفارغة حول ما يسمونه مطامع عثمانية، في حين يصرخون، هم أنفسهم، بشرعية احتلال فلسطين، ويتطاولون على ما أكده القرآن الكريم والحديث الشريف من قدسية الأقصى المبارك. ونُذكٍّر هؤلاء بالمعتمد بن عباد، ملك قرطبة وإشبيلية في الأندلس، ونقول لهم: إن إِبْلَ ابن تاشفين ستظل طاهرةً أبداً، بينما ستظل خنازير ألفونسو نجسةً دنسةً إلى قيام الساعة. كلمة أخيرة: كلُّ قضاء الله خيرٌ. وندعوه تعالى أن يحفظ ديار الإسلام والعروبة، ويعز شعوبها بالإيمان والعلم والنهضة الحضارية الشاملة. كاتب و إعلامي قطري [email protected]