15 سبتمبر 2025

تسجيل

الراتب طار وحنا أول الشهر

07 أبريل 2016

بفضلٍ من الله يأتي الراتب مصابا بالتخمة أحياناً ومتوسط الحال أحياناً، ويأتي كذلك هزيلا مرهقا لا يستطيع السير، وكم هو سعيد إذا كان صاحبه بخيلا فهو ينال كل رعاية واهتمام، وينام في خزائن البنوك قرير العين كالملك عليه حراسة مشددة ليل نهار لا يقرب منه أحد، أما إن كان صاحبه سخيا كريما فلا يرتاح البَتّة ولا يُعطى فرصة لكي يرتاح حتى في جيبه، فأعباء الحياة الكثيرة والمتعددة في انتظاره؛ فهو يوزع على مهمات كثيرة ولا يبقى منه شيء احتياطي، ويمكن صاحبه آخر الشهر يذهب ليأخذ راتب شؤون الوالدة جزى الله الحكومة خيرا يوم زادته، وأُشبّه الراتب بالطائر المستباح دمه، فكل نهاية شهر عندما يزور صاحبه الذي ينتظره بفارغ الصبر ويعد الرُزنامة عداً، وساعات يقطع أكثر من يوم لكي يُقلل من انتظاره حسب تفكيره، وعندما يحين وصوله واللهفة والشوق في عيون صاحبه كأنه مفارق حبيب يهفو القلب إليه!! وقبل وصوله ينهال عليه الكثيرون ضربا، فكلٌّ يريد حقه، فالبنك يقطع جزءا كبيرا منه لسداد الأقساط التي تعطى قبل أن تأخذها القمر في يد والشمس في الأخرى، وبعد ذلك ينتظره المدرس الخصوصي يريد أن يعلمه الحساب وجدول الضرب ويقطع حته منه، وكأنه ليس هناك مدارس تعلم وتغني عنه! ثم يأتي الحبيب حارس الطريق صاحب الغمزة والنظرة الجميلة التي لا تُقاوم، فكم أنقذ من أرواح بعد الله عزَّ وجللله دره، لم يعد هناك قسم للحوادث في المستشفيات، ويبعث برسالة حب: سدد ما عليك هناك خصم للسداد المبكر، فشكراً له أرحم من غيره!! وتأتي شركات الاتصالات وتنهال عليه ضرباً وركلان وتهدده بقطع أنفاسه فلن تأتيه الحرارة إن لم يسدد ولن يستطيع أن يساهم في قنوات التواصل وفي الجروبات التي لا تستفيد من خلالها بفائدة تذكر، ما تقرأ إلا بيض الله وجهك أو قصائد جلها نفاق ورياء وكذب وإشاعات، لا ثقافة ولا منطق فيها، فهي مزايدات وإشاعات وثقافات متدنية! وبعد ذلك تأتي رسائل المنظمات الخيرية تذكرك بأطفال سوريا وبحصار أهل السنة في العراق، وبما يفعله الإرهابيون الحقيقيون الذين أخذوا الضوء الأخضر من الدول الكبرى لقتل أهل السنة وتمدد الأذرع الخبيثة، وهذه الحسنة الوحيدة التي يستفيد منها صاحب الراتب بتبرعه، وبعد ذلك فواتير الولد بيركب تواير بالون وكاسر الجير، ومن ثم النهاية الأليمة أم العيال والبنات معزومين على زواج أحد الأقارب ويريدون فساتين باهظة الثمن، ليش بحجة يسايرون الواقع المبني على المظاهر والإسراف والتبذير!!وعندها قلب الرجل المسكين طيره فلم يجد إلا ريشاً الذي هو الآخر طار مع الريح، فقال صاحبه: ارجع إلي فبعدك لا عقد أعلقه ولا لمست عطورا في أوانيها؛ كما غنت الكبيرة الصغيرة نجاة..