14 سبتمبر 2025
تسجيليجمع المتخصصون على أن وصول ترامب للبيت الأبيض في 2017، كان في حد ذاته دليلا دامغا على أن الديمقراطيات الغربية عموما تعانى من أزمة حادة. يمثل ترامب المظهر الأقوى لصعود الشعبوية اليمينية المتطرفة في الديمقراطيات الغربية. في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، بدأت تتشكل في الديمقراطيات الغربية ما يطلق عليه «قاعدة الرجل الأبيض» والتي لديها هواجس رهيبة بشأن ضياع الهوية القومية بسبب زيادة عدد الأجانب، ولديها أيضا سخط رهيب على السياسات النيوليبرالية الاقتصادية التي أسقطت الملايين في الغرب في الفقر والبطالة، ووسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بصورة مرعبة. وعلى إثر ذلك، توسعت قاعدة الرجل الأبيض بحيث أصبحت القاعدة الرئيسية الداعمة للتيارات اليمينية المتشددة والتيارات الشعبوية. وكلا التيارين لديهم أفكار وخطابات معادية تماما للديمقراطية والقيم النيوليبرالية. وصل ترامب للبيت الأبيض على ظهر قاعدة الرجل الأبيض الأمريكي التي تشكلت في 2008 على يد «حزب الشاي» وقوامها من البيض الأمريكيين في الولايات الهامشية، والإنجيليين الأصوليين. وتوسعت بسبب فوز أوباما بانتخابات عام 2009، الذى ينظر إليه من قبل قاعدة الرجل الأبيض العنصرية بالأمريكي غير الأصلى، والتدهور الحاد في الاقتصاد الأمريكي. وحمل خطاب ترامب أجندة متطرفة متشددة للغاية ترتكز على تغذية أصولية الرجل الأبيض وشيطنة الأقليات والأجناس الأخرى خاصة السود والمسلمين والمكسيكيين باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية وسبب تراجع أمريكا. كما تأسس خطابه أيضا على عداء النظام الديمقراطي الراسخ في أمريكا بكل مكوناته خاصة جماعات الضغط. ولعل ذلك أهم ما يميز التيارات الشعبوية عن غيرها من التيارات هو سعيها إلى تغيير بنية النظام الديمقراطي والعداء الشديد للنظام المؤسسي. وأيضا، بنى خطاب ترامب على الهجوم على النيوليبرالية والعولمة والانفتاح الاقتصادي متهما إياهم بتدهور أمريكا وفقدان سيادتها. وعلى إثر ذلك، تشهد أمريكا منذ ولاية ترامب، نكوصا حادا في الديمقراطية. فالترامبية الشعبوية المرتبطة باسم ترامب، قد أفرزت ثلاثة مظاهر خطيرة تشير إلى التراجع الحاد في الديمقراطية الأمريكية. أولهما تفاقم أصولية الرجل الأبيض وتنامى العنصرية والكراهية ضد غير الأبيض، وهو ما تجسد في مقتل «جورج فلويد». والثاني، زيادة حدة الاستقطاب المجتمعي وفقدان أمريكا لروح الجماعة. والثالث وهو الأخطر، تعميق حدة الاستقطاب المؤسسي والحزبي، ووضع القواعد المنظمة للديمقراطية وشرعيتها في حالة من الفوضى والتشكيك. ترك ترامب البيض الأبيض في 2021، تاركاً وراءه ترامبية تغلغلت بصورة مرعبة في مفاصل المؤسسات الأمريكية. فمنذ هزيمته أمام بايدن، لم يكف هو وأنصاره عن التشكيك في شرعية الانتخابات الأمريكية وهو ما لم يحصل في تاريخ أمريكا، محاولاً أيضاً إبطال شرعيتها عبر الدفع بأكثر من 60 دعوة قضائية لإبطالها. إذ بحسب مركز بيو للأبحاث يرى ما يقرب من 46% من الأمريكيين أن انتخابات عام 2020 غير شرعية. محاولات ترامب تدعمها الأغلبية في الحزب الجمهورى، وهو ما يعني إجماع نظام الحزبين في أمريكا حول نقل السلطة في مشهد رهيب. ناهيك عن حالة الفوضى الديمقراطية الجارية حول أهلية ترشح ترامب لانتخابات عام 2024. تتباين الاستطلاعات حول فرص ترامب في الفوز في انتخابات 2024، لكنها ترى أغلبها أن فرصه بالفوز كبيرة. علاوة على ذلك، يعد ترامب حتى الآن المرشح الأكثر تفضيلا للحزب الجمهوري، خاصة بعد انسحاب رون ديسانتيس من السباق معلنا أيضا تأييده الكامل لترامب. إذن، فالمرجح على نحو كبير للغاية أن يكون ترامب منافس الحزب الديمقراطى في سباق 2024 وغالبا سيكون بايدن. وربما سيحقق انتصارا كبيرا. لكن الشاهد في الأمر، أن نجاح ترامب في الوصول لاستحقاق 2024 حتى في حال خسارته يشير بجلاء إلى أزمة حادة تعانى منها الديمقراطية الأمريكية والتي تتجلى في توسع قاعدة الرجل الأبيض التي تعادي الديمقراطية، وزيادة حدة الاستقطاب المجتمعي والحزبي، وتنامي روح الكراهية والعنصرية.