10 سبتمبر 2025
تسجيلالنضج هبة الحياة لمن يجرؤ على خوض تجاربها، من استطاع أن يخرج من كل عثرةٍ بدرس، ومن كل كل هفوةٍ بفائدة، لا يشترط عمراً، فما النضج سوى خبرات متراكمة لقلب يفقه، وعقل يُدرك، وأذنٌ تعي الحكمة ضالتّه يقتطفها حيثما وجدها، ويقتبس من نورها هادياً ودليلاً. ولا يفترض حضوراً وشهادةً أو سماعاً، إنما وعياً وفهماً وفطنة قلب فلرب مُبلّغٍ أوعى من سامع. ومن أولى علامات النضج أن يُيمم وجدان المرء وجهه شطر الاتزان، وتبدأ عنده إشراقات الحكمة بوضع الأمور في نصابها، وتقل سرعته في إصدار الآراء، وتضمر رغبته في إطلاق الأحكام، ويميل إلى التأني فيعطي الأحداث حقها من الوقت في التشكّل والظهور. ويترّقى الإدراك فلا ينبهر بكل شخص، ولا يُصدق كل عابر ولا يؤله أي فكرة، لأنه يعي جيداً أن المواقف والأفعال هي من تُظهر معادن الناس، وأن الجميع معرضٌ للخطأ، وأن الأفكار مجرد إطار يمكن أن يتغيّر إن لم يثبت نفعه أو صحته. وأن الأحوال في تغيّر دائم، وتحوّل مستمر، ويدرك أن الأمور ليست بظاهرها فقط، فلها أوجه عده، ومستويات متنوّعة، وزوايا للنظر إليها، تجعلها ذات أبعاد وأعماق يراها بعين بصيرته لا بصره فقط.. ويرتقي مؤشر العاطفة، فيتزن الوجدان، وترتقي ذائقة الشعور، فيترّفع عن المبالغات في مشاعره، ويترّقى عن التهويل في ميل قلبه حباً أو كرهاً.. فلا يسهل استفزاز مشاعره، ولا يُسرف فيها لكل عابر. النضج هدّية الارتقاء في الوعي والإدراك، وتراكم التجارب والخبرات، يُعلن عن تجلّيه في روح صاحبها وكيانه، فلا تلبث أن ترفعه لمقامات علّية، وإشراقات سنيّة من الحصافة والحكمة. ● لحظة إدراك: ليس من النضج أن تُحقّر رأي غيرك أو مسلكه، أو تُسفه من شعوره أو تجربته مهما بدا لك أنه مخطئ أو مجانبٌ للصواب، بل من مترافقات النضج: الرحمة التي تسع الجميع، والاحترام الذي يُكن للمختلف، والإدراك أن لكلٍ في الحياة سبيله الذي سُخر له، والتواضع الذي تفهم معه أنه لا فضل لك على أحد، وأن الفضل كله لا يرجع إلا لله.