16 أكتوبر 2025
تسجيلبعض القيادات العربية لا تقرأ التاريخ، وإن قرأته لا تفهمه، وإن فهمته لا تبالي به لاعتقادها أنها أعظم من الأمة، وأكبر من عقيدتها. لذلك، كنا، عرباً ومسلمين، على موعد مع آلام عظيمة أذابت قلوبنا كمداً خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، أبرزها: 1) السعودية والمسلمون الإيغور في الصين: يبدو أنه ليس لدى القيادة السعودية مختصون في التحليل والتخطيط يجعلونها تبصر المخاطر التي تنتج عن سياساتها، ويخبرونها بأنها استنزفت الرصيد المعنوي الضخم للمملكة لدى العرب والمسلمين. فخلال زيارة ولي العهد للصين، ناشده المسلمون الإيغور أن يناقش مع القيادة الصينية مأساتهم الهائلة، فكان رده عليهم بإعلان دعم بلاده لسياسات الصين في (محاربة الإرهاب والتطرف !!!). مما جعل الإيغور ينتبهون إلى أنهم كانوا يعيشون نفس الأوهام التي عاشتها شعوب الأمة عندما كانت تعتقد أن المملكة هي الدرع الحصين للإسلام والعروبة. وللعدالة، فإنه كان صادقاً معهم، لأن قضايا المسلمين وآلامهم وآمالهم هي آخر ما يهمه ويهم مستشاريه: تركي آل الشيخ المنشغل بتدمير البنى الأخلاقية للمجتمع السعودي، وسعود القحطاني المنشغل بانحرافاته النفسية في التخطيط لمجازر تطال المعارضين كما حدث مع جمال خاشقجي، وبالتعذيب المهين الفظيع للمعتقلين والمعتقلات. أما المستشار الأبرز، فهو تركي الحمد القادم إلى المملكة بنظرية علمانية فريدة في سفاهتها لأنها تقوم على سحق الإسلام وإقامة نظام سياسي مستبد لاديني. إن القيادة السعودية ومستشاريها لا يدركون أن قيمة المملكة الوحيدة تكمن في قوتها المعنوية كحاملة للواء الإسلام ومدافعة عن قضايا المسلمين، وحين تلقي بهذا اللواء، وتتخلى عن المسلمين، فإنها تصبح معزولةً بلا تأثير ولا دور. كما أنهم لا يفهمون أن تخليق الإرهاب يبدأ بالاستبداد، وينمو ويتعاظم حين يقوم النظام السياسي بالمسِّ بالعقيدة بصورة فجة، وبمنع الناس من التعبير عن التزامهم بها. وإذا ظن الطبالون من إعلاميي الرياض، وذبابها الإلكتروني، أن تحالف بلادهم مع الصهاينة يمنحها قوةً دوليةً تغنيها عن دعم محيطيها العربي والإسلامي، فسيخيب ظنهم لأن الواقع يخبرنا بأنه تحالف ترفضه الأمة، وسيفشل ويندثر، وتبقى الأمة وعقيدتها. 2) السيسي والشعب العملاق: يعلم الجميع أن السيسي ليس بحجم مصر العظيم، وأنه مجرد موظف عينته أبو ظبي والرياض وتل أبيب رئيساً لها ليعزلها عن أمتيها العربية والإسلامية، ويهمشها، ويُفقر شعبها، ويحقق الحلم الصهيوني في تمرير صفقة القرن التي يتوهم الصهاينة والمتصهينون أنها ستمحو فلسطين من التاريخ، وتدمر الأقصى المبارك وتقيم على أنقاضه الهيكل المزعوم لسليمان، عليه السلام. وقد نجح هذا الانقلابي في نشر ثقافة القتل وارتكاب الجرائم كواجب وطني، فصرنا نسمع تمجيد القتل والدعوة إليه علانيةً فيما يسمى بالإعلام المصري. وحين أصدر أوامره للقضاة الفاسدين بإصدار أحكام الإعدام ضد خصومه فإنه توهم أنه سيكسر بذلك شوكة الشعب المصري، ويقتل الكرامة في نفوس أبنائه. لكنه كان واهماً، فإعدام تسعة شباب، قبل أسبوعين، بعث في نفوس المصريين والعرب والمسلمين غضباً شديداً، وعداءً عظيماً لنظامه. ثم جاءت مأساة محطة رمسيس التي ذهب ضحيةً لها أشقاء أحبة من أبناء الشعب المصري، فانتظر الجميع أن يُعلن الحداد العام، وأن تُحترم مشاعر المنكوبين، لكن السيسي كان منشغلاً بإرضاء الصهاينة بدعوتهم لاسترجاع ممتلكاتهم في مصر وترميم الآثار اليهودية فيها. أما رعاعه الإعلاميون، فإنهم اندفعوا للسخرية من المأساة، فخرج أحمد موسى ليقول: (وماذا لو مات عشرون شخصاً في محطة رمسيس؟ إنه أمر يحدث في كل الدنيا). وكأن هؤلاء المساكين ليسوا إلا أرقاماً عند النظام الانقلابي، ولا حق لهم إلا أن يعيشوا كما يشاء، أو يموتوا بصمت ميتةً فظيعةً، لأن أصوات حشرجاتهم تزعج الطاغية وتشغله عن إكمال حلمه في تدمير مصر، وهيهات له أن ينجح في ذلك، لأنه سيزول وستبقى مصر درة التاج في الأمتين العربية والإسلامية. ◄ كلمة أخيرة: الشعوب هي التي تصنع التاريخ، والقادة الحقيقيون هم الذين يستجيبون لها، ويلتزمون بقضاياها ، فيعيشون في قلوب أبنائها حتى بعد رحيلهم عن دنيانا. [email protected]