12 سبتمبر 2025
تسجيللم يعد قسم السيد محارب إلى دار المزاين، خلال تلكما الشهرين أبدًا، كان كعادته بلا قرش إضافي يزيد على حاجته، وحاجة جدته عاقبة، وأخته السارة التي باتت من مستخدمي مساحيق التجميل الخطرة، ورواد صالونات التزيين التي تستهلك الكثير من المال، وتمنح القليل لوجه واحدة مثل السارة، يحتاج إلى جهد كبير لتحويله إلى وجه جذاب، والمائة ألف دينار المطلوبة في دار المزاين، ستظل معلقة، ولا يعرف إلى متى. وكان كلما مر بجانب دكة المطرودين في طريقه إلى عمله صباحًا، انزاح بوجهه بعيدًا، يخاف أن يرى الإفريقية جالسة عليها، تتكئ على حقيبتها القماشية، وتحاور يونانيًا، مشردًا، ومضفر الشعر، أو تصغي إلى مطالب غريبة من نمساوي معتوه لا يعرف أحد لماذا جاء أصلًا إلى هذه البلاد.لا يستطيع الجزم أن تعاطفه تجاه مأساتها قد خف، لكن بالمقابل بات يخاف من ذلك التعاطف الخطر، يتمنى لو انعتق منه في التو واللحظة، يتمنى لو لم يكن أصلًا. المزيون الأخ، المتدرب في حلقة الدراويش جاء مرتين خلال تلك المدة. في المرة الأولى كان متحفظًا قليلًا، قال إن سميتا قد قطعت شوطا طويلًا في العلاج لدى الشيخ، وبات بمقدورها الآن، أن تأكل للجني وجبتين فقط، بدلًا من تلك الثلاث التي كانت تخصصها له، قال إنه شاهدها كثيرًا تتمشى في دار المزاين في منتهى الأناقة محاطة بفتيات معجبات، ولم يسمع لها شخيرًا غير إنساني، وشم في إحدى المرات، عطرًا نفاذًا ينبعث من جسدها، ولم يكن لجسدها عطر حين جاءت. سأل في تردد عن المبلغ المطلوب، وماذا حدث في شأن تدبيره، وأجابه قسم السيد كاذبًا، بأنه اقترب من تدبيره بالفعل، وسيأتي بنفسه إلى دار المزاين، يسلمه للمهدي مساعد الشيخ، في يده. أراد أن يسأل المزيون، عن الحكاء السعودي غيث بن بريك، وأين وصل في علاجه؟، أراد سؤاله وخاف من السؤال، انتظر أن يتحدث المزيون عن تلك الشخصية المهمة، في دار المزاين من دون سؤال، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث. وقبل أن يغادر المزيون عائدًا إلى تدريبه، لمَّح إلى أن ثمة صراع خفي، يدور بين المزيون الكبير ومساعده، يتناقله الدراويش همسًا، قال:- ربما تحدث تغييرات كثيرة هناك، أنا ذاهب.في المرة الثانية، كان المزيون أكثر أريحية، عرج على أخيه في بوابة الدخول عند فندق سواري، قبل أن يذهب إلى البيت ويستبدل زي الدراويش الأخضر. قال:- يقرئك الشيخ (هارون) مساعد الشيخ المزيون السلام ويخبرك أن سميتا في صحة جيدة، ومعنويات عالية، ولم تبق سوى عدة أسابيع، وينتهي العلاج، وأن ذلك كله قد تم بلا مقابل.. لن تكون مضطرًا لأن تدفع شيئًا. جملة مفرحة بلا شك وتحتاج إلى زغرودة عالية، لو كان يستطيع أن يزغرد، لكن السؤال الملح في الوقت الحالي:- وأين المهدي؟أجاب المزيون، ولا تبدو على وجهه أي صيغة لانفعال خاص:- معنا في حلقة الدراويش، لقد خفض الشيخ رتبته.