17 سبتمبر 2025
تسجيلحرص الدين الإسلامي منذ أن شرعه الله على هذه الأرض أكثر ما حرص على تماسك أفراد المجتمع الواحد وتكاتفهم من خلال العناية والاهتمام بتنظيم تعاملاتهم، وأكد على تمام مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية في الأواصر والعلاقات. ونجد أن كثيراً من سور القرآن الكريم تنزلت لتؤكد على التوجيهات الربانية الواجب اتباعها بين أفراد هذه الأمة الإسلامية بعضهم وبعض وبينهم وبين باقي الأمم، وكانت "سورة الحجرات" كمثال، مدرسة متكاملة لتربية الأمة على سمو الأخلاق، وفضائل الأعمال وعلو الهمم. فهذه السورة وبالرغم من قصرها مقارنة بغيرها من السور، إلا أنها تضمنت واشتملت على معظم القواعد في التعاملات، وقد تربى في ضوئها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمتأمل في هذه السورة والباحث في معانيها يجد أنها شاملة لأحكام وآداب وأوامر ونواهٍ لا تجدها مجتمعة -بهذه الطريقة- في سورة سواها في القرآن الكريم، ولست بصدد تفسير هذه السورة تفسيراً مفصلاً في مقالي هذا، ولكنني سأقف مع آياتها وقفات ألتمس فيها الدروس والعبر، والتي تؤكد منهجية الإسلام في كون "الدين المعاملة". لا شك أن منظومة الآداب التي عرضتها السورة على قصرها وإيجازها تشكل توجيهاً تربوياً معجزاً في حد ذاته، حيث تضمنت حقائق كبيرة عن العقيدة والشريعة، كما تضمنت حقائق عن الوجود الإنساني، مما يمنح القلب والعقل آفاقاً عالية للتأمل، وتثير في الذهن خواطر عميقة، كما اشتملت آياتها على مناهج التنظيم والتكوين وقواعد التربية والتهذيب، ومبادئ التشريع والتوجيه. ولقد اهتمت هذه السورة بتصحيح جملة من المفاهيم الإنسانيه عند قارئها، كما قامت بالتنفير من مجموعة من السلوكيات السيئة الشائعة بين الأفراد للأسف، والهدف من ذلك الارتقاء بأفراد المجتمع الواحد فوق فوضى انعدام الأخلاق، والسمو بهم إلى أفق جميل يتحقق من خلاله وضع أسس بناء المجتمع الإنساني المسلم بحق. وقد أُجملت منظومة الإعجاز التربوي لهذه السورة العظيمة، في ست آيات من آياتها، قبائح خلقية تبرز عند بعض أفراد المجتمع وتشوه علاقاته. وهي تتمثل في: •السخرية •اللمز •التنابز بالألقاب •اتهام الآخرين دون تثبت بالظنون السيئة •التجسس •الغيبة التي تعتبر من الكبائر كل تلك السلوكيات المنهي عنها هي أساس تدمير العلاقات ونشر الأحقاد وفساد المجتمعات. والواعي والمتدبر يدرك أن المجتمع الذي يستطيع تخليص نفسه وأفراده من هذه الرذائل مجتمع ارتقى لأسمى مراتب التعامل التعبدي في المقام الإنساني، ومن ثم الاجتماعي والإنساني، خاصة أنه انتهى عن هذه المنهيات في إطار الانقياد لأوامر الله عز وجل وابتعاداً عن نواهيه. ختاماً، لابد من أن ننتبه ونعي أن هذه الإشارات التي جاءت في كتاب الله عز وجل لتشرح للمسلمين كيف يُمكن أن يتعاملوا مع بعضهم البعض، هي ليست في واقع الأمر خاصة بالمسلمين وحدهم، بل هي مرسلة للعالمين، تتحدث عن دستورٍ أخلاقي فريدٍ يصلح للتطبيق بين كل أمم الأرض، وهي قواعد واضحة بيِّنة، وعلاقتها بالتعارف والتعايش وثيقة ظاهرة؛ لذلك يمكننا أن نقول إنها دعوة عالمية من رب القرآن الكريم لكلِّ البشر وهي تصلح لكل زمان ومكان على هذه المعمورة. ((أفلا يتدبرون)) [email protected] @almutawa_somaya