26 أكتوبر 2025
تسجيلشوارع الفيس بوك كشوارع المدن الكبيرة، يمكن أن تظفر فيها بصديق قديم نزل إلى المدينة في التوقيت ذاته، ولم تكن رأيته من أيام الجامعة أو الجيش، وتسأله عن الدكتور فلان أو الطالبة فلانة، وقد تقول له :"تتذكر لمّا زحفنا في الثلج؟". وقد تصطدم بعربة فول أو بائع آيس كريم، وقد ترى صديقاً من بعيد، وتهفو إليه لكنك تفاجأ أنه تجاهلك ومضى. في الفيس ثمة محدثو نعمة (فيسية)، يتباهون بلايكاتهم وببوستاتهم بطريقة فاقعة، فتقول: ما فاس فيس وارتفع/ إلا كما فاس وقع. وفي الشوارع ذاتها ثمة خناجر تلمع تحت المعاطف، "مهكرون بدرجة امتياز يقتلون بصمت، يحقنون حسابك بالفيروسات" وفي الفيس أعراس قصيرة، وخيام عزاء، وزيارات المرضى. ثمة بسطات لغوية أمام المساجد، ثمة لافتات وإعلانات، ولو قلت: إن الفيس وطن لما خالفت الحقيقة.قد تعرض بضاعتك في سوق الفيس فتعود بمبلغ زهيد، 20 لايكاً مثلاً، وقد يبيع غيرك ب100 أو 1000، وفي شوارع الفيس يمكن لأي طفل أن يصرخ ويشتم دون أن ينادي أحد " ولد ضايع يا ولاد الحلال".ومع الاعتذار للمتنبي فإن وضع الفيس موضع السيف ليس مضرّا، فضربة فيسيّة قد تطيح بوزير أو حزب، وصرخة فيسية قد ترحّل عرب نمير إلى الصحراء. شوارع الفيس تذكرني بشوارع نيودلهي والقاهرة وربما حلب ودمشق، ليس الإسكندرية بالتأكيد التي زرتها عام 2005 ، ولو أدركنا الجاحظ لقال :" القاهرة فيسبوكية والإسكندرية تويترية" ناسفا مقولته القديمة عن عروبة الأمويين وساسانية العباسيين.أنا أحد مواطني الفيس، لم يطالبني مارك زوكر بيرج بإيجار البيت ولا ضريبة الرفاهية، ولم يرسل لي (تبليغة) الالتحاق بخدمة العلم، لي أصدقاء بلغوا 2738 صديقاً مات منهم كثير، ولم أجرؤ أن أكتب على جدرانهم "انتقل إلى رحمة الله" ، لي أصدقاء كسولون، وأصدقاء تركوا صفحاتهم لأهل الخير يشيرون إليهم، ناشرين العدس المجروش في أحواشهم.أخاف من حرب بين الفسابكة والتواترة جماعة ال140، أخاف من اقتصاد حربي طارئ بتقليص حروف نصي المهذار إلى كمية حروف جيراننا، أخاف أن تنقطع الكهرباء عن بلدي فتقلّ لايكاتي التي يأتيني معظمها من هناك.ورغم ذلك فالفيس مربط خيلنا، ومن عاش فاس، ومن فاس فات، وكل ما هو آتٍ آت.