27 أكتوبر 2025
تسجيل* محاصرة دولة عضو في مجلس التعاون أزمة خليجية خطيرة تهدد كيانه * المجلس لم يتحرك وفق النظام الأساسي له لتسوية الأزمة * دول الخليج الثلاث اعاقت الجهود الدبلوماسية لأمير دولة الكويت * تلاشي مقومات الثقة في إمكانية الوحدة مع دول صدر عنها ما لم يكن متوقعا تأسس مجلس التعاون الخليجي بمقتضى وثيقة اتفاقية عرفت بـ "النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربي" أبرمتها ست دول عربية خليجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة البحرين، المملكة العربية السعودية، سلطنة عمان، دولة قطر، ودولة الكويت، وهو ما يعني أن المجلس يمثل هيئة نشأت باتفاق بين الدول هذا ما عبرت عنه صراحة المادة الأولى من النظام الأساسي بتقريرها "ينشأ بمقتضى هذا النظام مجلس يسمى مجلس التعاون لدول الخليج العربي ويشار إليه فيما بعد بمجلس التعاون"، وأكدت على ذلك المادة الخامسة من النظام بتقريرها " يتكون مجلس التعاون من الدول الست التي اشتركت في اجتماع مجلس وزراء الخارجية في الرياض بتاريخ 4/2/1981". كما قرر النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي وضع تنظيم هيكلي لبنيان المجلس من أجهزة رئيسية تتمثل في المجلس الأعلى والمجلس الوزراي والأمانة العامة إضافة إلى أجهزة ثانوية (فرعية) يستلزمها العمل، وأعطى لها سلطات واختصاصات لتحقيق الأهداف التي أنشئ المجلس من أجلها وهي سلطات واختصاصات يتعين لإنجازها الاعتراف لها بإرادة ذاتية مستقلة في التصرف والتقرير، وهذا ما عبرت عنه بوضوح نصوص النظام الأساسي في خصوص بيانها لاختصاصات أجهزة المجلس، وهو ما يعني تمتع المجلس بإرادة ذاتية. ومن جهة أخرى، حددت المادة الرابعة من النظام أهداف مجلس التعاون الخليجي الأساسية والمتمثلة إجمالاً في تحقيق التنسيق والتكامل بين الدول الأعضاء، في كافة الميادين وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون فيما بين شعوب هذه الدول، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الشؤون الحياتية ودفع عجلة التقدم التقني لدول المجلس وهي أهداف مستمرة ومتواصلة ليست مقرونة بظروف زمنية محددة، كما أن غاية الاجتماع الذي تم فيه التوصل إلى وثيقة تأسيس المجلس لم تكن مجرد وضع اتفاقية دولية تقليدية، وإنما اعتماد اتفاقية تأسيس لكيان دولي مستقل يعمل على تحقيق أهداف مشتركة متواصلة لصالح جميع الدول الأعضاء، ودون أن تقترن وثيقة التأسيس هذه بتحديد لفترة سريان أو لأجل معين ينتهي عنده وجود ذلك الكيان وهو ما يؤكد تمتع المجلس بالدوام والاستمرارية. وفي ضوء ما سبق تكون قد توافرت لمجلس التعاون الخليجي عناصر المنظمة الدولية المتفق عليها في الفقه والعمل الدوليين، ومنها استمرارية عمل المجلس وعدم ربطه بفترة زمنية محددة ورغم ذلك فإن الاستمرارية هنا لا تعني تأبيد عمل المنظمة دولية، إذ قد تفشل المنظمة الدولية عموماً في تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، مثلما حدث بالنسبة لمنظمة عصبة الأمم حيث فشلت في تحقيق الهدف الرئيسي الذي أنشئت من أجله وهو تحقيق السلم والأمن الدوليين بنشوب الحرب العالمية الثانية، حيث انتهى وجودها واقعيا بنشوب هذه الحرب، وتأكد ذلك قانونيا بإنشاء منظمة الأمم المتحدة، كمنظمة بديلة، لحفظ السلم والأمن الدوليين تحل محال عصبة الأمم وصدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يؤكد ذلك، أو قد يتفق الدول الأعضاء على إنهاء عمل المنظمة الحالية بإنشاء منظمة دولية بديلة أو كيان إقليمي بديل أو بدون ذلك، مثلما حدث بالنسبة لمنظمة حلف وارسو باتفاق الدول الأعضاء، بعد انهيار التكتل الشيوعي، بإنهاء العمل باتفاقية وارسو المؤسسة للمنظمة. ولا جدال أن قيام ثلاث دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي (المكون من ست دول) بمحاصرة دولة رابعة عضو في المجلس، قد أحدث هزة عنيفة شكلت ومازالت تشكل أزمة خليجية خطيرة تهدد كيان المجلس بل وجوده أيضا، وتمثل مظاهر ذلك في: • أن المملكة العربية السعودية، التي تستضيف مقر الأمانة العامة للمنظمة، من ضمن الدول المحاصرة. • لم يتحرك المجلس وفق ما يقضي به النظام الأساسي للمجلس للتعامل مع الأزمة والعمل على تسوية ما يرتبط بها من منازعات. • إعاقة دول الخليج الثلاث المباشرة للحصار الجهود الدبلوماسية التي يبذلها أمير دولة الكويت معززا بدعم من غالبية دول العالم، منها دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، رغم الإعلان المتكرر من جانب قطر بقبولها التفاوض والحوار بما يكفل سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤونها وفقاً للقانون الدولي. وقد يرى البعض أن مجلس التعاون الخليجي لسلبيته في مواجهة أزمة حصار دولة قطر وعدم مقدرة المجلس حتى الآن على التعامل معها وإنهائها، يكون قد فشل في تحقيق الأهداف الأساسية التي أنشئ من أجلها، وهي الأهداف التي حددتها المادة الرابعة من النظام الأساسي وهي: • تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها. • تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات. • وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون الاقتصادية والمالية، الشؤون التجارية والجمارك والمواصلات، الشؤون التعليمية والثقافية، الشؤون الاجتماعية والصحية، الشؤون الإعلامية والسياحية، والشؤون التشريعية والإدارية. • دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوبها. وإذا كان تعديل النظام الأساسي للمجلس يحتاج إلى موافقة جميع الدول الأعضاء وفق المادة عشرين من هذا النظام، فإن انتهاء مجلس التعاون، في ضوء ما استقر عليه العرف الدولي، يتحقق في حال توافر أي من الأوضاع التالية: • اتفاق الدول أعضاء بالمجلس على إنهاء وجوده في اتفاق جماعي أو في إعلانات رسمية تصدر عن رؤساء الدول الأعضاء (نصف عدد الأعضاء على الأقل). • اتفاق الدول الأعضاء أو على الأقل نصف الأعضاء على إنشاء كيان تنظيمي تعاوني جديد يحل محل مجلس التعاون. • انسحاب نصف عدد الأعضاء على الأقل من عضوية المجلس. • فشل المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي الواضح في تسوية الأزمة أو في إيجاد آلية فعالة لتسوية الأزمة، ومن مظاهر ذلك فشله في عقد اجتماعاته وفق النظام الأساسي. ومن الطبيعي أن يترتب على أزمة الحصار تغيير قهري في معطيات تعزيز التعاون الخليجي في مختلف المجالات من الناحية التنظيمية، هذا إلى جانب تلاشي مقومات الثقة في إمكانية الوحدة أو حتى تعزيزها مع دول صدر عنها ما لم يكن متوقعا ضد دولة شاركت معهم مشاركة إيجابية في تأسيس مجلس التعاون كمنظمة إقليمية بغية توثيق ما بين دوله من روابط في كافة مناحي العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والأمنية، كما شاركت بإيجابية وبفعالية في تنفيذ مقررات المجلس والعمل على تعزيز التعاون مع غيرها من أعضاء المجلس في التعامل الحثيث لمواجهة كل ما واجه المجلس منذ إنشائه عام 1981 من أزمات ومعضلات ليس فقط بين أعضاء المجلس أو في داخل اقاليمهم، بل وأيضا كافة الأزمات والمشكلات الإقليمية والعالمية.