03 نوفمبر 2025
تسجيلللأسف الشديد كشف تقرير مدركات الفساد للعام 2012 والذي صدر قبل أيام بواسطة منظمة الشفافية الدولية عن تراجع ترتيب جميع دول مجلس التعاون الخليجي على المؤشر. الاستثناء الوحيد هو تقدم الإمارات بدرجة واحدة لا أكثر. يقيس المؤشر مدى استشراء الفساد في المعاملات الرسمية عبر تفضيل البعض على حساب الآخر بسبب إمكانية الحصول على عوائد مادية بطريقة أو أخرى. تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد بسوء استخدام الوظيفة العامة من أجل تحقيق مكاسب شخصية. كما أنها لا تميز المنظمة بين الفساد الإداري والفساد السياسي أو بين الفساد الصغير والفساد الكبير. وترى المنظمة أن عمليات الفساد تسلب البلدان طاقاتها وتمثل عقبة كأداء في طريق التنمية. غطى تقرير 2012 مستويات الشفافية في 174 اقتصادا في العالم عبر الاعتماد على النتائج المحصلة للعديد من المسوحات والاستطلاعات من تنفيذ 13 جهة دولية مرموقة. تتضمن هذه مؤسسات وحدة المعلومات في مجموعة الإيكونومست البريطانية والبنك الدولي ودار الحرية ومؤسسة البصيرة العالمية وبنك التنمية الآسيوي وبنك التنمية الإفريقي. وقد شملت عمليات الاستطلاع وجهات نظر الخبراء عن الدول المختلفة المقيمين منهم وغير المقيمين فضلا عن رجال الأعمال الأجانب للوقوف على مسألة مدى تقبل السياسيين وموظفي القطاع العام للرشاوى. في المحصلة؛ نجحت الإمارات بتحسين تريبها مرتبة واحدة وعليه حلت في المرتبة رقم 27 دوليا بالشراكة مع قطر. ويبدو أن التحسن تحقق على خلفية تعزيز استخدام الخدمات الإليكترونية في المعاملات الرسمية وهي الظاهرة التي تساهم في إبعاد الأمور الشخصية في الممارسات. وخير دليل على ظاهرة تقدير الخدمات الإليكترونية هو نيل الإمارات المرتبة رقم 30 دوليا على مؤشر جاهزية الشبكات الإليكترونية في التقرير العالمي لتقنية المعلومات للعام 2012. بدورها نالت قطر نفس المرتبة أي الرقم 27 دوليا على مؤشر مدركات الفساد. يشار إلى أن قطر كانت قد حققت المرتبة رقم 22 في تقرير 2011 أي الأفضل بلا منازع بين الدول العربية قاطبة. من جهة أخرى، حافظت البحرين على ترتيبها الخليجي بحلولها في المرتبة الثالثة رغم انخفاض ترتيبها بواقع 7 مراتب وصولا للمرتبة 53 دوليا. يعد هذا الأداء سلبيا وتراجعا نوعيا لترتيب البحرين فضلا عن حصوله في فترة حرجة. بالعودة للوراء، حققت البحرين المرتبة رقم 27 دوليا في العام 2003 عند قمة الإصلاحات الاقتصادية في البلاد وهي الإصلاحات والتي أصبحت جزءا من الماضي. عموما؛ يشكل تراجع الترتيب ضربة لخطط إعادة السمة التجارية للبحرين قضاء على تداعيات الأزمة السياسية المستمرة منذ فبراير 2011. على صعيد آخر؛ حصلت تراجعت ضخمة فيما يخص ترتيب عمان والكويت والسعودية. فقد واصلت عمان خسارة المواقع فبعد تراجع بواقع 8 مراتب في تقرير العام 2011 تم تسجيل تراجع إضافي لحد 11 درجة وعليه حلت في المرتبة 61 دوليا. كما تراجع ترتيب الكويت بواقع 12 مرتبة أي الأسوأ بين دول مجلس التعاون الخليجي وعليه حلت في المرتبة 66 دوليا. وربما يفرض هذا الأداء غير المقبول نفسه على جانب من مداولات مجلس الأمة الكويتي الجديد في ضوء الانتخابات التي جرت مطلع شهر ديسمبر الجاري. وكانت الكويت قد حافظت على ترتيبها الدولي في تقرير 2011 عبر حلولها في المرتبة 54 عالميا على خلفية خطوات برلمانية لمحاربة هدر المال العام. بدورها؛ واصلت السعودية استنزاف ترتيبها الدولي عبر تراجعها 9 مرتبة وبالتالي مشاركة الكويت في ترتيبها الدولي. لكن يعد هذا الترتيب غير مقبولا لصاحبة أكبر اقتصاد بين الدول العربية قاطبة. على الصعيد الدولي، اشتركت كل من الدنمارك وفنلندا ونيوزلندا المرتبة الأولى على مؤشر مدركات الفساد وهي نتيجة مستحقة. تشترك الدول الحاصلة على مراتب متقدمة في صفات إيجابية تتمثل بمحدودية إمكانية قبول أصحاب القرارات خصوصا في الدوائر الرسمية لإغراءات تجارية أو شخصية. من جملة الأمور، تكمن أهمية المؤشر باستخدامه مع مجموعة مؤشرات أخرى من قبل مستثمرين دوليين لاتخاذ قرارات مرتبطة بالاستثمار. تعتبر الاستثمارات الأجنبية ضرورية لمعالجة بعض التحديات الاقتصادية مثل إيجاد فرص عمل للمواطنين من جهة فضلا عن انعكاسها لثقة المجتمع التجاري الدولي للدول المستقطبة من جهة أخرى سواء بالنسبة للقوانين أو الآفاق التجارية. المطلوب من الدول التي جمعت أقل من 70 نقطة على المؤشر المكون من 100 نقطة تنفيذ برامج إصلاحية في مجال محاربة استغلال الوظيفة العامة. ويلاحظ عدم تمكن أي دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي من تحقيق هذا الإنجاز لكن يحسب لكل من قطر والإمارات جمع 68 نقطة أي بالقرب من الحد الأدنى. مؤكدا، المطلوب من بقية دول مجلس التعاون الخليجي تنفيذ إصلاحات جذرية لمحاربة سوء استغلال الوظيفة العامة بغية تحقيق مكاسب مادية ربما عبر خيار إنجاز المعاملات الرسمية عن طريق الحكومة الإليكترونية. وفي إطار تعزيز الشفافية المطلوب من الحكومات إلزام نفسها بنشر إحصاءات دورية دون تدخل للتأثير على الأرقام أو تاريخ النشر لأغراض سياسية. وربما باتت مسألة الشفافية باتت مطلوبة في المعاملات الرسمية أكثر من أي وقت مضى بالنظر لتداعيات أزمة مديونية اليونان والتي يعود جانب منها لعدم الكشف عن الحجم الفعلي للمديونية العامة. ولازالت تداعيات الأزمة تتفاعل في أوروبا خصوصا دول منطقة اليورو منذ اكتشاف الأزمة في العام 2008. لا شك أنه يجب العمل على تحاشي التجارب المرة عبر تأصيل ثقافة الشفافية في القطاعين العام والخاص.