12 سبتمبر 2025

تسجيل

حارس البوابة 2

06 ديسمبر 2012

 كانت مشكلة “قسم السيد محارب”، الذي اقترب من السادسة والثلاثين من عمره بلا طموح ولا أحلام، والتي لم تفارقه قط، منذ أن عرف الدنيا وعرفته، هي تعاطفه الشديد. يتعاطف مع قطة هائمة، مع كلب ضال، مع ضحايا قمع سلطوي، أو حرب أهلية، أو هزة أرضية هنا وهناك، وتعاطف مرة مع منتجي  شراب الكوكاكولا، حين منع من البلاد، ومع التعابير البائسة لرئيس مشرد في الأرض، كنسه شعبه في ثورة، وأرسل عشرات الرسائل غير الموثوق في وصولها، إلى عدد من الصحف المحلية، يعلن تعاطفه الصريح مع أخبار البؤس التي تعودت تلك الصحف نشرها، ويكتب في عدد من تلك الرسائل التي خصصها للتعاطف مع ضحايا الفيضان في الشمال، والحرب الأهلية في الجنوب، والمجاعات في الغرب، عنوانه كاملًا، حتى إذا ما احتاج إليه أحد، لبى النداء بلا تردد. وكان أميز تعاطف له، وأبكاه حقيقة، حين شاهد (حيدر با خريف)، بطل كمال الأجسام القوي، الملقب بشمشون الأفارقة، في آخر أيامه بعد أن تجاوز السبعين، يلعب لعبة القوة في حارة قذرة، وينهزم من قبضة مراهق. شاهده يتدحرج منكس الرأس، وقد سقطت من جيب قميصه، عدد من المحاقن، التي تستخدم في حقن الأنسولين في الدم. بكى بصدق، واعترض طريق البطل القديم، لمَّ محاقنه من الأرض، وقال من كل قلبه: - هاك قبضتي يا شمشون الأفارقة، اهزمني أنا. ولم يكن با خريف للأسف الشديد، بحاجة إلى تعاطف من ذلك النوع على الإطلاق، بقدر حاجته إلى سبع وسبعين جنيها، ينطلق بها إلى أقرب صيدلية، لشراء قناني إنسولين من أجل دمه.  كان قسم السيد، في أوقات فراغه، وحتى أثناء تأدية وظيفته حارسًا للأمن في فندق سواري، ينقِّب في الوجوه الواثقة التي يصادفها، بحثًا عن ذرة ضعف ينفذ من خلالها، يفتش الحقائب اليدوية، وصناديق الأمتعة، المحشوة خيرًا وشرًا، بلا مزاج أمني، ويسمح للسيدات الأنيقات أن يبتسمن ويضحكن، ويسخرن من زيه الرسمي الأزرق، الذي يبدو فضفاضًا، على جسده الضئيل، وتلك الشامة السوداء الداكنة، التي تغطي قسما كبيرًا من خده الأيمن، من دون أن يبتئس، وحين يسأله أحد العابرين بالبوابة عن اسمه، أو يقدم له سيجارة، يحس بأنه يحب ذلك الشخص جدًا، وربما يسميه عمي لو كان رجلًا، وخالتي لو كانت امرأة، وولدي الصغير، لو كان صبَّيًا يافعًا. وانطلاقًا من تلك المشكلة المزمنة، كان لقسم السيد آلاف الأعمام والخالات، والأبناء أيضًا، موزعين في الدنيا كلها، وبالقطع لا يعرف عنهم، ولا يعرفون عنه شيئًا.