28 أكتوبر 2025
تسجيلاستكمالاً لمقالنا السابق في هذه الزاوية - بوصلة - "استضافة قطر لكأس العالم فضحت عنصرية وحملة افتراءات الغرب"- بعد نشر المقال قرأت مقابلة نائب رئيس الوزراء- وزير خارجية دولة قطر سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في صحيفة لوموند الفرنسية، ينتقد نفاق الهجوم على من يقولون "قطر غير مستعدة فكرياً وثقافياً لاستضافة كأس العالم.." هل هذه العنصرية مقبولة في أوروبا في القرن الـ 21"؟ وهذا يؤكد ما أوردته في مقالنا السابق. نجحت قطر بتحقيق كثير من الإنجازات برغم محدودية قدراتها، متمثلة بقول المتنبي "وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام"- صارت قطر تلعب مع الكبار في شتى المجالات بدبلوماسيتها النشطة بالوساطة وحل النزاعات من أفغانستان إلى الصومال والسودان وتشاد ولبنان واليمن.. وفي جمع الخصوم-أمريكا وطالبان، وأمريكا وإيران حول الملف النووي، كمن يجمع الصيف والشتاء تحت سقف واحد. ما يعزز مكانة قطر الحليف الموثوق في المساعدة في حل ملفات وقضايا مرتبطة بالأمن والاستقرار الإقليمي وحل النزاعات والتوسط في أزمات من أفغانستان وإيران إلى الصومال وتشاد وغيرها. كما نجحت قطر بنسج شبكة علاقات إقليمية ودولية وشراكات واستثمارات حول العالم. تستضيف قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وقاعدة عسكرية تركية. ما أكسب قطر كثيراً من المصداقية والتقدير. كما برزت أهمية دولة قطر في الأشهر الماضية بعد حرب روسيا على أوكرانيا وقطع إمدادات الطاقة والغاز والنفط سواء بفرض عقوبات على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا-أو مقاطعة روسيا للدول الأوروبية غير الصديقة التي تقف وتدعم أوكرانيا ضد روسيا. هددت تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا السلبية أمن الطاقة حول العالم، خاصة الدول الصناعية، ما دفع قطر للعب دور مسؤول بطمأنة الغرب حول أمن الطاقة، بعد مطالبات وتقاطر قادة أوروبيين إلى قطر والمنطقة، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي جو بايدن بزيارته لجدة، وعقده قمة مع القادة الخليجيين في الصيف الماضي للمساهمة في تعزيز أمن الطاقة، ما أعاد الاهتمام بدور ومكانة ومركزية منطقة الخليج العربي ودول مجلس التعاون الخليجي، في التخفيف من نقص إمدادات الطاقة الذي يثير قلق الدول الصناعية لتأثيره على النمو الاقتصادي والتضخم وارتفاع الأسعار، خاصة أن دول مجلس التعاون الخليجي تملك أكبر احتياطي نفط وغاز، وغاز مسال. وقد أصبحت قطر الدولة الأولى المصدرة للغاز المسال في العالم، وقد سبق وتعهد أمير دولة قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بضخ المزيد من الاستثمارات لتطوير حقل الشمال، أكبر حقل غاز في العالم تتشارك به قطر مع إيران، برغم الحاجة لوقت لزيادة إنتاج الغاز المسال لشحنه لأوروبا، ما كان محل تقدير وتصرف مسؤول. من أدوات قوة قطر الناعمة، مؤسسة قطر للتعليم Qatar Foundation-ذلك الصرح الرائد الذي يحتضن نخبة من الجامعات العالمية، وخاصة الجامعات الأمريكية، بالإضافة إلى جامعة حمد بن خليفة. كما تتميز دولة قطر بالعمل الخيري والإنساني والمساعدات والقروض الميسرة عن طريق صندوق قطر وتلعب قطر الخيرية إحدى أكبر الهيئات الخيرية الرائدة غير الحكومية وغير الربحية في منطقة الخليج العربي منذ إنشائها عام 1992 مساهمات ودوراً مميزاً في شتى المجالات وتهتم بالتنمية المستدامة، ومحاربة الفقر وإغاثة المنكوبين جراء الحروب والزلازل والجفاف. احتفلت شبكة الجزيرة مطلع هذا الشهر بالذكرى السادسة والعشرين لانطلاقتها في قطر، وخلال سنوات قصيرة نجحت الجزيرة بإحداث ثورة غير مسبوقة وحركت المياه الراكدة في الإعلام العربي الذي أغلبه رسمي بسقف منخفض وبتأثير محدود. وتطورت شبكة الجزيرة لتتحول لشبكة إعلام فرضت نفسها على خريطة الإعلام العالمي. كما يذهب البعض أن الجزيرة وضعت قطر على الخريطة بتميزها وجرأتها ورفع سقف التغطية والبرامج الحوارية. والأهم الانحياز للشعوب والقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لتتوسع وتظهر على مختلف المنصات التقليدية والرقمية والبودكاست. لهذا كله كسبت الرأي العام العربي، لتصبح القناة والشبكة الإخبارية العربية الأولى والمفضلة لدى المشاهدين العرب وخارج الوطن العربي، في المتابعة والتغطية والتأثير، برغم محاولات الكثيرين منافستها واللحاق بركبها. وتتصدر الخطوط الجوية القطرية قائمة تصنيف أفضل شركة طيران في العالم لعدة سنوات، وأفضل شركة طيران للمسافات البعيدة ومقصورة رجال الأعمال. وكذلك حصل مطار حمد الدولي على جائزة أفضل مطار في العالم لعدة سنوات! كما تتبوأ قطر مكانة رفيعة في استضافة بطولات العالم في الرياضة، وهي أول دولة في العالم العربي تستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم- وكذلك فازت قطر للمرة الثالثة باستضافة كأس آسيا لكرة القدم لأقل من 23 عاماً لعام 2024، بعد استضافة البطولة في عامي 1988 و2011. وكما أشرت في مقالي السابق عن فضح استضافة قطر كأس العالم لكرة القدم حملة افتراءات الغرب على قطر. ورغم حملة التشكيك والتهجم والافتراءات والبيئة الصعبة والضاغطة وعدم الاستقرار والصراعات والحروب وعوامل التهديد للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي في منطقة الخليج العربي، أصرت قطر أن تدخل التاريخ لتصبح أول دولة خليجية وعربية وشرق أوسطية ونامية وإسلامية تستضيف أكبر وأهم حدث رياضي عالمي-كأس العالم لكرة القدم 2022- بعد أسبوعين ستكون البطولة محط أنظار مليارات البشر حول العالم. وهذا يعني أن تصنف قطر-Qatar Branding-سيكون على مرأى وأمام العالم من مشجعين ولاعبين وزوار ومشاهدين. حصيلة تلك الإنجازات مجتمعة تزيد من تميز ورصيد قوة قطر الناعمة، وترسخ أهميتها ومكانتها، وتؤكد أن الحجم ليس عائقاً ولا سبباً لعدم التميز، وتقدم نموذجاً للدول الصغيرة بأنه يمكن التغلب على الصعاب وتحقيق الأهداف والحلم باللعب مع الكبار في مجالات الطاقة والدبلوماسية النشطة والتعليم وشبكات الأخبار والرياضة، وهذا كله يزيد من نفوذ وحضور قطر على المسرحين الإقليمي والدولي.