13 سبتمبر 2025

تسجيل

أن تكتب مدينة

06 نوفمبر 2017

تعتبر كتابة المدن في الأعمال الروائية من الأفكار الشائعة التي درج على استخدامها الكتاب، بمعنى أن النص يكتب ملتصقا بمدينة ما، يستحضرها كاملة. يستحضر شوارعها وأبنيتها وذكرياتها ويمكن أن يتنبأ لها بمستقبل قادم بناء على معطيات كثيرة، والذي يتعرف إلى مدينة مثل الدوحة مثلا، أو تعرف إليها منذ أكثر من عشرين أو أربعين سنة، وتعرف إليها الآن، يستطيع كتابة نص مملوء بخطوات تلك المدينة، التي أصبحت في وقت وجيز من أهم المدن، النص هنا لن يتحدث عن أبنيتها وصروحها ومتاحفها فقط ولكن حتى عن أنفاسها التي ربما تتنفس بها، حكايات أهلها، ثبات بعض العادات وتغير البعض، هكذا.وفي تجربتي الشخصية، فقد عشت معظم سنواتي المبكرة في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، وبالرغم من وجود ثوابت معينة في تلك المدينة، لم تتغير بتغير الزمن مثل المستشفى الكبير في وسط المدينة، وصيدلية بيومي، وموقف الحافلات، وأكشاك بيع المرطبات التي يعود تاريخ بعضها إلى نهاية الستينيات من القرن الماضي..إلا أنني ألاحظ في كل زيارة لي لبورتسودان تغيرا ملحوظا، وعوالم جديدة، هدت تلك القديمة، ونبتت على أرضها، وبالتالي كان ما كتبته في كتابي مرايا ساحلية، أصبح معظمه غير موجود الآن، لكني حين أجلس للكتابة، دائما ما تتراءى لي مدينتي التي أعرفها، وأكتب نصي بناء على معطيات سابقة أو جديدة أستوحيها من التغيرات الجديدة. ولأنني أتبع طريقة عدم تسمية المدن عند كتابتها، لكن الخصوصيات تظهر ويستطيع القارئ الذي يعيش في مدينة بورتسودان، أن يتلمس دروب النص بسهولة، وربما يستطيع قارئ بعيد لا علاقة له بالمكان أن يعثر هو الآخر على ما يرشده للمكان الذي يحتضن أحداث النص.من المدن التي تغري بكتابتها أيضا ولم يصلني نص كتبها حتى الآن برغم اعتقادي في وجوده، مدينة مثل كوالا لمبور عاصمة ماليزيا.هذه مدينة في رأيي بمثابة معلم للكتابة، موحية بشدة، وفيها من الإغراء ما تمتلكه حسناء، ولأن سكانها خليط من أجناس مختلفة، وزوارها يأتون من شتى بقاع العالم، إضافة إلى ضجيجها المستمر الذي لا ينتهي، فمؤكد، تصنع نصا غاليا.