02 نوفمبر 2025
تسجيلالكلفة الاقتصادية للربيع العربي ليست مرتفعة الثمن بالنظر لحجم الاقتصاد العربي من جهة والإيجابيات المتوقعة من التغيير بعد استتباب الأمور. والإشارة هنا للدراسة التي أعدتها شركة جيوبوليسيتي لاستشارات المخاطر السياسية لصالح صندوق النقد الدولي حول التداعيات الاقتصادية السلبية منها والإيجابية بالنسبة للربيع العربي. حسب الدارسة المستفيضة والمدعمة بالأرقام، تقدر كلفة الربيع العربي بنحو 56 مليار دولار حتى شهر سبتمبر 2011. في التفاصيل، تتوزع التكاليف ما بين 21 مليار دولار على شكل انخفاض لقيمة الناتج المحلي الإجمالي من جهة وتآكل المالية العامة بقيمة 35 مليار دولار عبر انخفاض الإيرادات وارتفاع التكاليف من جهة أخرى. وتتوزع الخسائر على النحو التالي: سورية 27.3 مليار دولار، ليبيا 14.2 مليار دولار، مصر 9.8 مليار دولار، تونس 2.5 مليار دولار، البحرين 1.1 مليار دولار وأخيرا اليمن مليار دولار.سورية وليبيا الأكثر تضررا خسائر الاقتصاد السوري هي الأعلى وذلك على خلفية الضغوط العالمية المتنوعة والمتنامية التي يتعرض لها نظام الرئيس بشار الأسد بالنسبة لطريقة التعامل مع الاحتجاجات.وقد بلغ الضرر بعض القطاعات الحيوية مثل النفط في ظل توجه بعض الدول الغربية بمقاطعة شراء النفط السوري على الأقل بشكل مباشر.كما يواجه القطاع المالي بعض الضغوط نتيجة القيود المطبقة على العمليات المصرفية للبنك المركزي السوري من قبل المؤسسات المالية الغربية. وفيما يخص ليبيا، فقد ألحقت المعارك أضرارا مادية بالاقتصاد الوطني بالنظر لشمولية المعارك التي دارت في هذه البلاد المترامية الأطراف. تبلغ مساحة ليبيا 1.7 مليون كيلومتر مربع ما يضعها في المرتبة رقم 17 على مستوى العالم من حيث المساحة. وقد تسببت المعارك في الحد من مستوى الإنتاج النفطي وبالتالي حرمان الميزانية العامة من إيرادات مهمة وما لذلك من تداعيات سلبية على الصرف ونمو الناتج المحلي الإجمالي. حقيقة القول، تنتج ليبيا نحو 1.7 مليون برميل يوميا أي 2 في المائة من حجم الإنتاج العالمي للنفط. الأمل كبير بأن يستتب الأمن في ربوع ليبيا بعد انتهاء حقبة القذافي.خسائر أم الدنياوبالنسبة لمصر، فقد تسببت الاضطرابات في تدني الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.2 في المائة فضلا عن انخفاض إيرادات الخزانة العامة لأسباب منها حصول تراجع في عدد الزوار القادمين لأرض الكنانة خوفا من الوقوع في أعمال العنف. ويعد قطاع السياحة حيويا بدليل تحقيقه عائدا اقتصاديا قدره 13 مليار دولار في 2010 وبالتالي يعد مصدرا مهما للحصول على العملة الصعبة للتعامل مع التحديات التي تواجه الاقتصاد مثل المديونية الخارجية. بدوره، فقد الاقتصاد التونسي نحو ملياري دولار أي أكثر من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد حيث شملت التداعيات العديد من القطاعات الاقتصادية بما في ذلك السياحة والصيد.لكن يتوقع حدوث تحسن نوعي بالنسبة للآفاق الاقتصادية للبلاد بعد نجاح تجربة انتخاب مجلس تأسيسي في الأسبوع الماضي.بالنسبة للبحرين، فقد خسر الاقتصاد الإيرادات المتعلقة بسباق الفورمولا واحد لموسم 2011. وتشتهر الفعالية بتحقيقها مكاسب اقتصادية بالنسبة للعديد من القطاعات مثل المواصلات والضيافة. إضافة إلى ذلك، تأثر قطاع الفعاليات نظرا لانتقال بعض الفعاليات لدول أخرى وتأجيل البعض الآخر.من جملة الفعاليات، تم إلغاء النسخة الثامنة من حوار المنامة والذي كان من المزمع عقده في شهر ديسمبر. ويستقطب المؤتمر عادة وزراء من مختلف دول العالم حيث قامت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأول زيارة لها للبحرين في ديسمبر 2010 لإلقاء الكلمة الرئيسية في النسخة السابعة من الفعالية. وفيما يخص اليمن، يتداول حديث حول حصول تراجع في إيرادات الخزانة العامة بسبب حالة العنف في البلاد والتي ما زالت مستمرة دون مخرج واضح للأزمة الخانقة. بل توجد مخاوف من حصول نوع من مجاعة أو على أقل تقدير التدني في مستوى رفاهية الأطفال بالنظر لتداعيات الأزمة لطول مدة المعارك في ظل غياب وجود بنية تحتية متكاملة. بعض إيجابيات الربيعوفي كل الأحوال، لا يمكن اعتبار الرقم 56 مليار دولار كبيرا في قبالة حجم اقتصادات الدول العربية، حيث تقدر قيمة الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بنحو 450 مليار دولار وتليها الإمارات بنحو 270 مليار دولار. بل لا بد من إضافة الإيجابيات المرتبطة بالربيع العربي من حيث ارتفاع أسعار النفط الأمر الذي يهم الدول المنتجة للنفط والتي تعتبر الأكبر بين اقتصادات الدول العربية. فحسب تقرير مؤسسة جيوبوليسيتي تم تحقيق محصلة إجمالية في حدود 39 مليار دولار في الشهور التسعة الأولى من العام 2011 وذلك على خلفية ارتفاع الإيرادات وبالتالي نفقات الدول المصدرة للنفط. كما توجد إيجابيات متنوعة أخرى للربيع العربي من قبيل حصول نتائج تشمل تعزيز الشفافية بالنسبة لإيرادات ونفقات المالية العامة والحد من مستويات الفساد المالي والإداري على خلفية المراقبة المرتقبة للحكومات من المجالس المنتخبة. بل من شأن مشاركة المجتمع عبر ممثليهم في صنع القرارات تبني أفضل الخيارات والقرارات بدل الصرف على أمور لا تعد من الضروريات مثل النهر العظيم في ليبيا. أيضا هناك موضوع الدعم الغربي لدول الربيع العربي خصوصا ليبيا والتي جاء التغيير فيها عبر حلف الناتو. لكن لا يمكن توقع الكثير من المساعدات المالية على الأقل على المدى القصير نظرا للأزمة المالية التي تمر بها دول منطقة اليورو ومعضلة المديونية في الولايات المتحدة. ختاما، يحدونا الأمل بأن تنجح الدول العربية بتعزيز موقعها على خارطة الاقتصاد العالمي ومعالجة التحديات الاقتصادية المختلفة. بل لا يوجد بديل بالنظر للزيادة المضطردة في عدد سكان الدول العربية من قرابة 340 مليون نسمة جلهم من الشباب إلى 500 مليون نسمة في العام 2025.