12 سبتمبر 2025

تسجيل

رَمَتْني بدائها وانسلَّتْ

06 أكتوبر 2020

استمر احتلال الصليبيين للقدس ومناطق كثيرة من بلاد الشام أكثر من مائتي عام، شهد فيها العالم الإسلامي تشرذماً وضعفاً عظيمين، وتحالف بعض الملوك والأمراء مع الصليبيين خلالها، حتى جاء صلاح الدين الأيوبي، رحمه الله، فوحَّد بلاد الشام ومصر، واستطاع تحرير القدس في سنة 1187م. المشكلات ليست في الإسلام، كما قال الرئيس الفرنسي، وإنما في إدراك إيمانويل ماكرون أن التحدي الحضاري الإسلامي أقوى من قدرة اليمين الأوروبي المتطرف والكيان الصهيوني وحلفائهما من العرب على مواجهته، ومعرفتهم بأن استعادة الأمة لقيمها الدينية هو البداية لنهضتها وتغييرها لواقعها كما فعلت عندما حررت القدس بقيادة صلاح الدين. لنعد قليلاً إلى القيم العلمانية للجمهورية الفرنسية التي يدَّعي ماكرون أنه يسعى لحمايتها، ونسأله: أين كانت تلك القيم عندما كان الفرنسيون يرتكبون أفظع المجازر في البلاد الإسلامية التي يستعمرونها؟ وأين اختفت عندما ساعدت فرنسا الكيان الصهيوني على بناء قوته النووية منذ ستينيات القرن الماضي، رغم معرفتها بأنه كيان ديني عنصري؟ وأين تتوارى عندما نشاهد دَعْمَ فرنسا للنظم الانقلابية والاستبدادية في بعض دولنا العربية؟. بالطبع، لن يجيبَ عن أسئلتنا، لأنه يُفضل بَيْعَ السلاح الفرنسي لهذه النظم مقابل صمته عن جرائمها. من جانبٍ آخر، فإن تلك القيم العلمانية عجزت عن حماية الفرنسيين المسلمين، وفقط المسلمين، في فرنسا، والدليل هو أن ماكرون لا يتعامل معهم على أنهم مواطنون فرنسيون، وإنما على أساس أنهم خطرٌ على بلاده التي يتبجح اليمينيون المتطرفون بأنها ذات حضارة مسيحية يهودية، دون أن يجرؤ أحدٌ على اتهامهم بأنهم يهدمون الأساس العلماني للدولة، ويهددون التجانس الوطني بهذه الأقوال ذات الصبغة الدينية. المشكلة الحقيقية هي في معاناة ماكرون نفسه من فشله داخلياً وخارجياً؛ فقد خسر كثيراً عندما لم يستطع تقديم برنامج للإصلاح الإداري والمالي يستجيب فيه لمطالب الطبقتين الوسطى والدنيا في فرنسا، فاندفع للقيام بمغامرات خارجية ظنَّ أنه سيستعيد بها الشعبية لحزبه، ولكنه فشل فيها. فقد حاول إشعال نار العداء في أوروبا ضد تركيا بوصفها دولة إسلامية تهدد الغرب، إلا أن ألمانيا، القوة الاقتصادية الأوروبية الأعظم، عبَّرت بدبلوماسيةٍ شديدةٍ عن رفضها لمحاولاته. ففي ليبيا، دفنَ ماكرون القيمَ العلمانية عندما ساند العميل المليشياوي خليفة حفتر عسكرياً وسياسياً، وكان يعتقد أن انتصار حفتر سيعني تمكين شركات النفط الفرنسية من الاستئثار بالنفط الليبي؛ إلا أن دَعْمَ تركيا للحكومة الليبية الشرعية أطاح بحفتر، فانهارت أحلام ماكرون، وازدادت عزلته أوروبياً عندما ظهر للعيان التحالفات والتفاهمات التركية الإيطالية بشأن ليبيا. وفي شرقي المتوسط، حاول ماكرون الظهور بدور القائد الأوروبي الداعم لليونان ضد تركيا، وإذ بتركيا تُلقنه درساً عظيماً في السياسة عندما حطمت أحلامه، فأخذت تتفاوض مع اليونان من موقع القوة. أما النكسة العظمى، فإنها كانت في لبنان الذي ظن ماكرون أنه يستطيع تكوين حكومته، ورسم سياساته، ففشل فشلاً ذريعاً. وبالتالي، لم يبقَ أمامه إلا مهاجمة الإسلام مباشرةً، ولذلك لن نرد عليه بالدفاع عن ديننا، لأننا نؤمن بأن فضائل عقيدتنا وحضارتنا أصيلةٌ وحيةٌ ومتجددة أبداً، ولم تكن ولن تكون مجرد ردات فعلٍ لإساءاتٍ يوجهها للإسلام والمسلمين، الصليبيون الجدد والصهاينة وحلفاؤهم. اللافتُ للنظر في هذا المشهد، هما أمرانِ: الأول، هو الصمتُ المُطبق لكبار العلماء في البلاد العربية الخاضعة للهيمنة الإماراتية عن تصريحات ماكرون، ولكننا نشكرهم على صمتهم لأنه أفضل من خروجهم بتصريحات تدعم ادِّعاءاته. والثاني، هو تلك الحملة المتصهينة في بعض الدول العربية ضد الإسلام وتاريخه وعقيدته التي تصاعدت بقوة مع انتشار تصريحاته، ولعلَّ أبرزها تصريحات مسؤول سوداني بشأن إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني، والتي سبقها نَشْر مقطعٌ مصوَّر له يخاطب فيه جماعةً من أنصاره قائلاً: إن عدم معاداة الكيان الصهيوني هو امتثال لقوله تعالى: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِيْنَ خَصِيْماً}، وكأنه يقول إن الصهاينة خائنون، والله ينهى عن معاداتهم !!!. ولذلك، لا نستغرب عدم اهتمام ماكرون بردة الفعل الإسلامية، ما دام علماء الأمة صامتين، ومعظم حكامها متساويين مع المسؤول السوداني في بُعْد النظر السياسي. وكالعادة، فإن سوداوية المشهد تتخللها بُقَعٌ من نور الأمل؛ فقد أهدى المغني الإماراتي حسين الجسمي أحد ألحانه لفرقة غنائية صهيونية، وبالفعل أدت به إحدى أغانيها، وهذا مؤشرٌ إلى أننا بانتظار أخبار سعيدة، لأن تأثيرات الجسمي وصلت إلى الكيان الصهيوني أخيراً. كاتب وإعلامي قطري [email protected]