07 أكتوبر 2025

تسجيل

وداعاً صباح الكويت والخليج والإنسانية

06 أكتوبر 2020

فقدت دولة الكويت الشقيقة ومنطقة الخليج والوطن العربي والعالم قائداً عظيماً محباً وداعماً للسلام وبلسماً للدول المنكوبة وساعياً مؤثراً لإيقاف شرارات الحرب بين الدول، ارتبط اسمه بكل ما هو داعم للتنمية والتعمير وإغاثة الشعوب المنكوبة، أمير الإنسانية الذي تعلّق اسمه في قلوب محبيه في الخليج والعالم أجمع. سيرته رحمه الله حافلة بالإنجازات يعجز القلم أن يحصرها في عمود أو حتى كتاب، تجلّت هذه الإنجازات بقيامه بوساطات في بيئة وأحداث مفصلية في العالم، لم يكن لشخصية ما أن تتحمل مشقاتها وصعوبتها، فمنذ توليه شؤون وزارة الخارجية الكويتية في ستينيات القرن الماضي وهو يحمل على عاتقه القيام بدور الوسيط في العديد من الأزمات والخلافات التي نشبت بين العديد من الدول، أولها تلك التي حدثت بين مصر والسعودية بين عامي 1965-1966 وحل الصراع العسكري الذي ظهر بين الدولتين على الأراضي اليمنية، ووساطته بين إيران والبحرين عام 1968 لحل قضية مطالبة إيران بالبحرين والتي انتهت بإجراء استفتاء شعبي واستقلال البحرين في عام 1971، وأيضاً جهوده الحثيثة للتوسط بين العراق وإيران حول شط العرب عام 1969، وجهوده المثمرة التي أدّت إلى ولادة اتفاق سلام بين شطري اليمن عام 1972 وقام أثناءها بزيارة البلدين أثمرت بالإضافة إلى إبرام اتفاقية السلام عن اتفاقية أخرى للتبادل التجاري، وكان لوساطته رحمه الله بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية دور في توقيع اتفاق خاص بإعلان المبادئ ساهم في تخفيف حدة التوتر بين الدولتين. كما أن لسموه وساطات عديدة لوقف الحرب العراقية الإيرانية من خلال التنسيق مع المنظمات العربية والإقليمية والدولية، وفي لبنان التي أحبها وأحبته كثيراً ساهم رحمه الله في تضميد جراحها أثناء الحرب الأهلية ولعبت الكويت دوراً كبيراً بالنظر إلى قبولها لدى كافة الأطراف المتنازعة ويعود الفضل في ذلك إلى العلاقات المتميزة التي كانت تربط بين الشيخ صباح الأحمد الذي كان حينها وزيراً للخارجية ومفوضاً من أمير الكويت للوساطة لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان. وهناك العديد من المواقف التي تؤكد مدى حنكة ودبلوماسية وسعة صدر الشيخ صباح الأحمد رحمه الله، ومنها ما بدر عن رئيس وفد العراق عزت الدوري في مؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي الذي عقد بالدوحة عام 2003 لتدارس التهديد بهجوم عسكري أمريكي على العراق والظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية إبان انتفاضة الأقصى، عندما قام رئيس الوفد العراقي بالإساءة للكويت، وكان الشيخ صباح الأحمد يرأس وفد دولة الكويت وقابل إساءة وسب عزت الدوري بابتسامته وهدوئه دون أن يرد عليه، وهذا التصرف ينم عن احترام وتقدير الشيخ صباح لدولة قطر المضيفة ولشخص سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي يترأس القمة. ونحن في قطر ما زلنا نثمن ونقدر جهود سموه رحمه الله أثناء بداية الأزمة الخليجية ووقوفه كالجبل الشامخ عائقاً أمام النوايا المبيتة لدول الحصار بغزو قطر وانتهاك سيادتها، وما زلنا نتذكر جولاته المكوكية بين عواصم دول الحصار وقطر في شهر رمضان رغم مرضه وكبر سنه إلا أنه آثر على نفسه من أجل إصلاح ذات البين ومحاولة إنقاذ منظومة مجلس التعاون الخليجي من تهور وصبيانية دول الحصار. نتذكر كذلك عندما قابل ولي عهد أبوظبي داعياً إياه إلى إنهاء هذه الأزمة وكيف قابلها محمد بن زايد بوضع إصبعه على أنفه وهي تعني أنه مستعد ولن يرد له طلبه وكيف نكص عن وعده له، والذي تؤكد على أنه يقف حجر عثرة أمام أي جهود لحل الأزمة، ومع كل ما يراه ويلمسه من تعنت ومماطلة لوساطته لإنهاء هذه الأزمة وألمه على استمرارها إلا أنه رحمه الله لم ييأس وظلّت جهوده مستمرة طوال سنوات الأزمة الماضية وحتى توفاه الله، وليس هناك أدعى من الحزن والألم مما قاله سموه أثناء مرضه الأخير والذي نقله سعادة مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي عندما قال رحمه الله: إنني لا أنام جيداً ويعتصرني الحزن لأن أشقائي في دول مجلس التعاون بينهم خلافات وأمنيتي أن يتحقق الصلح بينهم قبل أن يتوفاني الله. رحم الله أمير الإنسانية وجعل ما عمله من جهود إنسانية لصالح أمته وللإنسانية جمعاء في موازين حسناته ونسأل الله أن يسكنه فسيح جناته. فاصلة أخيرة فقد الخليج صمام أمانه وكابح طغيان وظلم طغاته الذين دمّروا الخليج وزرعوا في قلوب شعوبهم الكراهية والشحناء، فذهب صباحها وظل ظلامها الدامس مستمراً حتى يحدث الله أمراً كان مفعولاً!. ‏[email protected]