08 أكتوبر 2025
تسجيللا يمكن اعتبار تباين أداء دول مجلس التعاون الخليجي على مؤشر الحرية الاقتصادية في التقرير السنوي لمعهد (فريزر) الكندي أمرا مفاجئا بحد ذاته. لكن المفاجئ هو حصول تغييرات كبيرة في ترتيب دول المجلس في غضون سنة واحدة لا أكثر من دون تقديم أسباب موضوعة لذلك. فليس من المنطقي تراجع ترتيب عمان 26 مرتبة إلى المرتبة رقم 46 دوليا في التقرير الأخير. كما هبط ترتيب الكويت بواقع 36 مرتبة حتى المرتبة 55 عالميا. لا شك يمكن ربط الأمر بشكل جزئي بحقيقة ارتفاع عدد الدول المشمولة في التقرير من 144 في العام 2012 إلى 152 اقتصادا في تقرير 2013. من جملة التطورات اللافتة الأخرى، حلول الإمارات في المرتبة بين الدول العربية قاطبة بعد تقدمها 6 مراتب وعليه حلت في المرتبة رقم 5 دوليا. وهذا يعني تقدم 4 اقتصادات لا أكثر على الإمارات بالنسبة لمقياس الحرية الاقتصادية وهي هونج كونج وسنغافورة ونيوزلندا وسويسرا. وعلى هذا الأساس، نجحت الإمارات بإبعاد البحرين عن موقع الصدارة بين الدول العربية أو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فيما يخص مؤشر الحرية الاقتصادية. وكانت البحرين قد حافظت على موقع الصدارة بين الدول العربية منذ انطلاق التقرير للمرة الأولى في العام 2002. مهما يكن من أمر، فقد تمكنت البحرين من الحفاظ على مرتبة متقدمة وتحديدا رقم 8 أي ضمن العشر الأوائل. بالخوض في بعض تفاصيل أداء دول مجلس التعاون الخليجي يلاحظ وجود نقاط قوة ملفتة في اقتصاد الإمارات من قبيل محدودية القوانين التجارية من جهة وتشجيع مستثمري القطاع الخاص للدخول في مجال التجارة الدولية وهي كلها ضمن متغيرات المؤشر. بل تعتبر إمارة دبي مركزا تجاريا رئيسيا في المنطقة لأسباب تشمل توفير حرية التعامل التجاري الدولي في المناطق الخاصة. لكن يعاني الاقتصاد الإماراتي من أمور مثل الضغوط التضخمية في ظل ارتفاع أسعار العقار الغرف الفندقية والخدمات. ويمكن الزعم بوجود نوع من علاقة خاصة للعقار في دبي وكأن الإمارة قد تناست أسباب معضلة المديونية التي جربتها بين العامين 2008 و2009. على صعيد آخر، تشمل نقاط القوة في الاقتصاد البحريني فيما يخص مفهوم الحرية الاقتصادية أمورا مثل الحد من القيود المفروضة على حرية تحرك العمالة الوافدة وبالتالي متغير القوانين. يشار إلى أن البحرين سبقت دول مجلس التعاون الخليجي من خلال منح العمالة الأجنبية حرية تغيير الكفيل في بعض الظروف مثل عدم الحصول على الراتب لفترة زمنية. كما يحق للعامل الأجنبي تغيير الكفيل بعد انتهاء العقد والانتقال لآخر. وفي كل الأحوال، يحتاج العامل الأجنبي لكفيل لكن بمقدوره تغييره الكفيل إذا تطلب الأمر ما يعد إنجازا قياسيا بما هو مطبق في بعض دول المنطقة وليس أبعد من ذلك. لكن يؤخذ على الاقتصاد البحريني الدور الكبير الذي يمارسه القطاع العام في الوقت الحاضر، حيث تمثل نفقات الدولة قرابة ثلث الناتج المحلي الإجمالي. من جملة الأمور، يتطلب هذا الأمر دخول الحكومة في منافسة مع القطاع الخاص للحصول على بعض الخدمات مثل التسهيلات المصرفية. وللأمانة، فقد تعزز تواجد القطاع العام في الشأن الاقتصادي في أعقاب الأزمة السياسية التي بدأت في البحرين في فبراير 2011 والتي أدت إلى تطورات تشمل تردد مستثمري القطاع الخاص بأخذ زمام المبادرة. وعليه، ربما رأى القطاع العام ضرورة الحاجة للمزيد من التدخل في الواقع الاقتصادي بغية تعزيزه. من جهة أخرى، توجد مجموعة من المآخذ على التقرير من قبيل اعتماده على عدد كبير من المتغيرات وتحديدا على 42 متغيرا ما يعد أمرا لافتا. وهنا يكمن التحدي حيث ليس من الممكن عمل أبحاث ميدانية لهذا الكم من العوامل الأمر الذي ربما يستدعي الاعتماد على عدد من المصادر الثانوية. لكن تتضمن هذه الحقيقة أمرا آخر وهو ارتباط المصادر الثانوية والإحصاءات لدراسات خاصة. بصورة إجمالية، تتوزع المتغيرات على خمسة مجالات وهي: 1) حجم الحكومة مثل الاستهلاك والتحويلات المالية والدعم المقدم للسلع والاستثمارات المحلية. 2) القانون التجاري والاقتصادي وحماية حقوق الملكية بما في ذلك حيادية القضاء وتطبيق القوانين على الجميع دون مفاضلة. 3) السياسة النقدية مثل سرعة نمو الأموال المتداولة والضغوط التضخمية. 4) التجارة الدولية ويشمل ذلك الرسوم وحرية انتقال الأموال. 5) الإطار التنظيمي لكل من الائتمان والعمالة والنشاط التجاري. من جملة التحديات الأخرى، هناك مشكلات منح نقاط بصورة موضوعية للدول المشمولة في التقرير وذلك بالنظر لمحدودية الإحصاءات المتوفرة. وتشمل السلبيات الأخرى للتقرير اعتماده على إحصاءات العام 2011 أي أرقام قديمة نسبيا في الوقت الذي تتوفر فيه أرقام 2012 فضلا عن جانب من إحصاءات 2013. حقيقة القول، يتبنى تقرير الحرية الاقتصادية لمعهد (فريزر) مبادئ الاقتصاد الحر أي ترك الأمور في الأسواق لعوامل العرض والطلب والحد من حجم الحكومة. بل يؤمن المعهد بأفكار الاقتصادي الرأسمالي الشهير (ميلتون فريدمان) صاحب نظرية السوق امتدادا لفكر الأب الروحي لهذه المدرسة آدم سميث. في المجموع، نرى صواب إشادة التقرير بانفتاح اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على التجارة العالمية رغم تمتعها بثروات نفطية ربما تسمح لها بفرض نوع من حماية تجارية. لكن من شأن وضع قيود على الوردات إلحاق الضرر بمصالح المستهلكين من قبيل الخيارات والأسعار. مؤكدا، يجب أن يقتصر دور الجانب الرسمي في ترتيب المسائل التجارية وليس الحد من الصادرات وبالتالي اتخاذ قرارات للمستهلكين. ختاما، رغم بعض النواقص يقدم التقرير فرص لمعالجة بعض التحديات الموجودة في الاقتصادات الخليجية فيما يخص إدارة الاقتصادات المحلية بصورة حسنة تخدم مصالح جميع الأطراف.