14 سبتمبر 2025
تسجيليلاحقني سؤال مزعج ألا وهو: من هم الكتّاب الحقيقيون لفن المقالة؟ هل هم الأكاديميون؟ أم المثقفون؟ أم هم أصحاب المهن المختلفة الذين يكتبون في مجالاتهم الشتى؟ أم هم الذين أتوا من أين لا أدري!.. (ولكنّي أتيت، ولقد أبصرت قدّامي طريقاً فمشيت، وسأبقى ماشياً إن شئت أم أبيت، كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري)، هذا ما قاله إيليا أبي ماضي، وهذا لسان حال بعض الكتّاب لفن المقالة. إن المقالة صنعة لا يستهان بها، فهي تحتاج إلى موهبة حقيقية ومن ثم صقل هذه الموهبة، ومن ثم التجربة الحياتية العميقة لذلك الكاتب، ومن ثم الانتقال من قراءة الكتب والأحاديث الجانبية في المجالس العامرة، إلى القراءة الواعية للواقع المُعاش، وربط تلك القراءة بما يتمناه الكاتب لهذا الواقع الذي يعيش فيه، فيطرح في مقالته ما يُناسب وجهة نظره في الحياة بشكل عام وفي مجاله بشكل خاص، دونما المساس بالثوابت والقيم. فليست المسألة كما يتخيلها البعض، سطورا ممتدة وحبرا منثورا ومساحات مستطيلة أو مربعة، تتصارع فيها 450 كلمة أو 500 كلمة أو أقل من ذلك أو أكثر. وليست المسألة مكافأة ينتظرها الكاتب بفارغ الصبر، تصرف له من خزينة الجريدة نهاية كل شهر، جراء نثره للؤلؤهِ الصناعي الرخيص، والكارثة أن البعض يعتقد أنه بكتابته للمقالة، بأنه سيصبح فيما بعد ذا أسلوب رشيق في الكتابة، بل إنه سيصبح جداً مشهور، في مجتمعٍ أصيل كالمجتمع القطري، والذي لا يراهن على الرخيص أبداً، وهنا تتجلى أكبر أكذوبة يتعلق بها الكاتب غير الموهوب، المتمثلة في (أكتب وبس). بل المسألة أكبر من ذلك، فالمقالة صوتك الحقيقي لاستقامة المجتمع، لتغيير حال ما إلى حالٍ أفضل مما هو عليه، وهذا لا يقتصر على مواضيع المجتمع، بل تمتد أذرع المقالة لإصلاح المشهد الثقافي إن لزم، ولتوجيه الحِراك السياسي، أو لردع خصومة ما، كما يحصل الآن في الظلم الواقع علينا جراء الحصار، وبالمناسبة أريد أن أشكر كل قلم شريف دافع عن الوطن، وبلا استثناء، فالكل أخذ دوره الحقيقي في درء هذا الظلم عن قطر الحبيبة. والمقالة أحياناً لرفع كفاءة الاقتصاد، أو لغرس القيم والمبادئ، بدءًا من مفهوم الوطنية والانتماء، ومفهوم الوعي الجمعي أو ما يسمى بالهوية، حتى ليصل الأمر إلى ضبط النفس والصبر على الزحمة في شوارعنا، مروراً بالتربية والتعليم ومشاكل البيئة والدعوة للشفافية والعدالة ومحاربة الفساد والأخذ بيد كل إنسان يحتاج لدليلٍ في هذه الحياة، كي يستقيم حاله أو تستقيم الحياة لديه، كي يواصل المسير لتحقيق أهدافه المبتغاة. والمقالة ليست للتحقير أو لاستعراض عضلات الكاتب اللغوية، أو لِنقل ثقافة ما، بل لا بد أن يكون هناك وجهة نظر تخص الكاتب ذاته، فيما يتناوله. والمقالة ليست ترجمة عقيمة لمقالات من هنا وهناك، فيظن الكاتب أن الكل في سبات عميق، فيأتي طرحه مشوهاً ركيكاً.