13 سبتمبر 2025
تسجيللا يوجد إعلامٌ في مصر، وإنما آلةٌ ضخمةٌ من البشر والورق والتلفزة والإذاعة والسينما تشارك في صناعة وَهَـمٍ كبيرٍ يحجرون فيه على حق الشعب المصري في معرفة الحقائق كما هي. والـمَلهاة تبدو جَلِـيَّـةً في أنَّ بعض المشاركين يندمجون في الوهم ويشعرون أنه الحقيقة وأنهم لسان حال الشعب. عندما قامت دولة قطر، حكومةً وشعباً، بدعم الدولة المصرية والشعب المصري منذ ما قبل انتصار ثورة 25 يناير حتى يومنا، فإنها انطلقت من ثوابت راسخةٍ في وجدان القطريين تُعَـبِّرُ عنه القيادة السياسية الحكيمة، وتتمثل في الإيمان بأنَّنا أمةٌ واحدة، وأنَّ مصر هي مركز الثقل فيها، وشعبها هو الجزء الرئيسي في أيِّ مشروعٍ حضاريٍّ شاملٍ. إلا أنَّ المواقف القطرية الـمُشَـرِّفَة لم تُرضِ نفراً من إفرازات العهود السابقة على الثورة، الذين شعروا بخطورة التغيير الديمقراطي في مصر على وجودهم ودورهم ومصالحهم، فكانت الحملة التي لم تستثنِ أحداً، لا دولاً ولا شعوباً ولا أنظمةً. وكم من المعيب في حق هؤلاء النفر عندما أخذوا يتحدثون عن شراء قطر لقناة السويس والأهرامات وسواها من الأمور التي لا تمس بالقامة المنتصبة لقطر وقيادتها وشعبها، وإنما تمس بمصداقية وكرامة مَـن يَـدَّعونها. بذلت آلة صناعة الوهم المصرية جهوداً مُضْنِـيَـةً لتشويه كل جميلٍ في حياتنا العربية بعد انتصار ثورة 25 يناير، ولكنها لم تنجح إلا في التأثير بقلَّـةٍ من الشعب المصري، فكانت العبارات الضخمة العارية عن الصحة، والخالية من المضمون، عن أصابع خارجية أدت إلى وصول الدكتور مرسي للرئاسة، وفوز جماعة الإخوان في تشكيل الحكومة. وكأنَّ الانتخابات الديمقراطية وصناديق الاقتراع لم يشترك صانعو الوهم فيها. ثم اتجهوا إلى ما يظنونه الحلقة الأضعف في سياسات مصر الخارجية، أي العلاقة مع قطر، ليكتشفوا أنَّ هذا الجزء صلبٌ قويٌّ تحميه المبادئ والقيم التي تلتزم بها القيادة القطرية. وهنا، تَـحَوَّلت صناعة الوهم إلى أجزاء ضعيفة بالفعل، هي الفلسطينيون واللاجئون السوريون في مصر، الذين لا حول لهم ولا قوة ولا غطاءَ سياسياً يحميهم بسبب ظروف الثورة في سورية والعزلة المفروضة على الفلسطينيين. واستأسد المشاركون في الحملة كالضباع التي تفتك بالفريسة الجريحة وتنهشها حيةً. وهم يظنون أنهم بذلك يصنعون عدواً خارجياً ينشغل به المصريون عن مشكلاتهم الحقيقية الناجمة عن تعطيل مؤسسات الدولة واقتصادها منذ بدايات حكم الدكتور مرسي وخلال وبعد الانقلاب العسكري. لكن ظنهم خاب وفشلوا، فالشعب المصري بمعظمه شعبٌ مثقفٌ واعٍ سياسياً ومدركٍ للحقائق ومعتادٍ على اعتبار إعلامه كاذباً، ولا يرى عدواً له إلا الكيان الصهيوني. منذ أول أمس، بدأت صناعة الوهم تنهج نهجاً شديد الخطورة لم تعرفه مصر طوال تاريخها، إذ بدأت في تمزيق النسيج المجتمعي للشعب عبر صُنْـعِ عدوٍّ داخليٍّ هو مناصرو الشرعية. وتكمن الخطورة في لا أخلاقية هذا النهج واستنادها إلى اعتبار التضحية بالبشر وإنهاء حيواتهم أموراً هَـيِّـنَةً لا شأن لها. وتتنامى الخطورة عندما يتم ترسيخ ذلك في نفوس مناصري الانقلاب الذين أعمت دماء الشهداء في مجزرة الاعتصامين أبصارهم فاندفعوا يطلبون مزيداً من الدماء. إلا أنَّ المجتمع الدولي والدول الكبرى كان لهما رأيٌ آخر، وكذلك الشعوب العربية والمسلمة.