15 سبتمبر 2025

تسجيل

الحجُّ ونخوةُ المعتصم الغائبة

06 أغسطس 2019

يعتقد الطيبون في أمتنا أن موسم الحج فرصةٌ لمناداة القيادة السعودية ومطالبتها بجمع الأمة لمواجهة الأخطار المحدقة بها. ويغيب عنهم أنها لا تبالي بالأمة، ولا تهتم بعقيدتها، وأن نداءاتهم ستلامس الأسماع لكنها ستصطدم بركامٍ عظيمٍ من العداء للعرب والمسلمين الذي دُفنتْ تحته نخوة المعتصم.  1) نواحُ القلوب في جدة: مئات آلاف الحجاج يتوافدون على السعودية، ويدخل معظمهم عن طريق مدينة جدة، وبدلاً من هالة الخشوع التي يتوقعون أن تلامس قلوبهم، وسماع أصوات القراء تصدح بآيات الذكر الحكيم، ورؤية الوقار الواجب وجوده في المملكة، ولو في موسم الحج فقط، فإن عيونهم تصطدم بمجسمٍ ضخم لتمثال الحرية، وآخرَ مأخوذٍ من التراث الوثني الهندي، وتتصدع قلوبهم حزناً بسبب الحفلات التي لم يجد منظموها موضعاً لإقامتها إلا في المحيط الجغرافي القريب من مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكأن القيادة السعودية تقول لهم: لا شأن لنا بما تتوقعون، فقد كسرنا الهالة المقدسة التي قيدت بلادنا طويلاً، وحرمتها من (الإصلاح الترفيهي). وتتعاظم المصيبة حين ينعق الترفيهيون بأنهم سيستهدفون الحجاج لتوعيتهم بالسياحة في المملكة، ويتناسون أن ضيوف الرحمن لم يأتوا ليشاركوهم في أذية المصطفى، صلى الله عليه وسلم، الذي لا يبعد قبره الطاهر إلا بضع عشرات الكيلومترات عن أماكن إقامة الحفلات.  2) فقه الاستطاعة السياسية: يقصد بالاستطاعة القدرة على القيام بأمرٍ ما. فقد أجمع الفقهاء على أن الاستطاعة في الحج تشمل القدرتين البدنية والمالية، فإذا لم يتمتع المسلم بهما أو بإحديهما، فليس عليه أداؤه. ولكننا، اليوم، بحاجة لإضافة أمرٍ ثالثٍ هو القدرة السياسية، بمعنى أن يكون الحاج من بلد لا تفرض القيادة السعودية على شعبه شروطاً لأدائه تمس بكيان البلد السياسي والاجتماعي، وتصل صعوبة تنفيذها لدرجة الاستحالة. فقد سيست تلك القيادة الحج، فمنعت شعوباً وجماعاتٍ وأفراداً عن أدائه وكأن الديار المقدسة مُلكيةٌ خاصةٌ لها. وكنا، نحن المسلمين، ننتظر من الذين كانوا في نظرنا علماء عظاماً في المملكة أن يقولوا كلمةً ترضي الله في هذه القضية، لكنهم تحولوا إلى كهان يحرقون البخور في محراب الاستبداد، ويرفعون الدعوات بالتوفيق لولي الأمر في إصلاحاته الترفيهية. ثم انقلبوا للتطبيل لسياساته التي يعلمون جيداً أن كثيراً منها يستهدف عقيدة الأمة ووجودها، ففقدوا مكانتهم المعنوية، وأفقدوا بلادهم تأثيرها العظيم في الشعوب التي لم تعد تأخذ منهم ولا ترد عليهم.  3) حتى أنتَ يا دايم السيف: كنا ننتظر من أمير مكة المكرمة: خالد الفيصل، أن يلتزم بنهج أبيه شهيد القدس: المللك فيصل بن عبد العزيز، في العدالة والغيرة على الأمتين العربية والإسلامية، وأن تكون خبراته السياسية، ومكانته، ورؤاه كشاعر يرتكز على الحق والخير والجمال في كل ما يصدر عنه، أسباباً تدفعه لمطالبة الجهات المسؤولة عن الحج في بلاده بالتواصل مع هيئة الحج القطرية للإعداد لحج القطريين وأشقائهم المقيمين، والإشراف عليهم ورعاية شؤونهم، وأن يدعو قيادته لفتح الحدود، خلال موسم الحج، أمام الحجيج ليصلوا بسهولةٍ ويسر إلى الديار التي زيارتها حقٌّ أصيلٌ لكل مسلم. لكنه لم يفعل، وإنما أصبح واحداً من كثيرين تحولوا، بطرفة عينٍ، إلى ناطقين باسم قيادتهم، ومدافعين عن سياساتها التي لا شأن لها بالإسلام الحنيف، فخرج يهاجم بلادنا، ويصف أبناء شعبنا بالبذاءة لأنهم تحدثوا بصراحةٍ عن منعهم من الحج. ونسأل الشاعر دايم السيف عما يشعر به حين يقرأ ويسمع الذباب الإلكتروني السعودي يشتمون الشعوب، ويطعنون في الأعراض، وينالون من ثوابت العقيدة نفسها. وعن مشاعره حين ينكر المتصهينون في المملكة حق العرب والمسلمين في فلسطين التي دفع والده حياته ثمناً لمواقفه ضد الكيان الصهيوني على أرضها الطاهرة.  4) الأقصى المبارك: في كل حينٍ، نذكر فلسطين والقدس والأقصى المبارك، لكن ذكرنا لتلك الديار يتعاظم في موسم الحج، لأن إيماننا جازمٌ بأنها مقدسةٌ مباركةٌ، ونستغرب كيف يعتقد مسلمٌ بأنه مؤمنٌ بالله بينما في قلبه إنكارٌ لتلك القدسية، ومودةٌ للصهاينة. ونسأل الله، في هذه الأيام المباركة، أن يحفظ أمتنا ومقدساتها، ويكسر شوكة أعدائها، ويعيد لها تأثيرها الحضاري العظيم رغم أنوف المتجبرين. [email protected]