13 سبتمبر 2025

تسجيل

جداريات سورية

06 أغسطس 2013

تنتشر هذه الأيام في الإبداع السوري نصوص تتحدث عن الموت، لا لتصوير واقع الكارثة السورية الغائمة، بل لترجمة حالات من الحزن والإحباط ومقدمة لإعلان هزيمة، فالصديق الشاعر بسام علواني قرأ علينا قبل أيام نصّاً جديداً، يحيل إلى رؤية جديدة ومختلفة عن منجزه السابق، يشتبك فيها الصوفي والرومانسي: "يحدُثُ أنْ أموتَ على سبيلِ المنْفى/ فأُدفنُ في مقبرةِ (أبو هامورَ) هنا في الدوحةِ/ بعدَ حمّامٍ بمياهٍ بحريّةٍ مالحةٍ/ وأُنْعَى كأيِّ مكْفولٍ قَضى، أو وافدٍ هلَكْ/ وبعدَ ثلاثٍ منَ الوقتِ/ قدْ تكونُ منْ ساعةٍ أو شهرٍ أو سَنةٍ/ سَيتبخّرُ جسَديَ النهْريُّ بفعلِ جحيمِ الصحارى/ أو يترمّلُ؛ أيْ يُصبحُ رمْلا كربعهمُ الخالي/ ثمَّ لا يُفتَحُ القبرُ؛ حيثُ تتشظّى رماليَ/ أو تتناثرُ مع عاصفةٍ من ال (طّوزِ) / فلا أحدَ يعرفُني/ ليتحسّسَ أزهارَ مَنْ ودّعوا.../ وينتهي القولُ عندَئذٍ؛ لِيبدأ احتمالٌ جديدٌ/ فيحدُثُ أنْ أموتَ/ فأُدفنَ في مقبرةِ (سريحين)/ مُلتقى الأهلِ والأصدقاءِ والعشيرةِ ممّنْ قضَوْا/ بعدَ أنْ يُغسّلَني المُشَيّعونَ بدموعِهم وأوْرادِهم/ وما فاحَ من تلاوةِ قلوبِهم على روحي / هناكَ سيُحمَلُ جسدي على هاماتِهم/ منْ بابِ دارِنا في الحيِّ الذي يعرفُني إلى مثْوايَ الأخيرِ/ عَنيتُ قبْراً بحجمِ جثماني/ وشاهدةً حجريّةً تصمدُ إلى حينْ/ ستكونُ بمثابةِ بطاقةٍ شخصيّةٍ / تُوَثّقُ موتيَ في سجلِّ الراحلينَ/ وتُعرّفُ العابرينَ على الثاوي/..... فبعدَ دهرٍ من عمُرِ الترابِ/ سأَنْبُتُ بفعلِ تعاقبِ الفصولِ / شجرةً بنكهةِ الرمّانِ الذي كنتُ أحبُّ/..... ثمَّ يمرُّ دهرٌ آخرُ أجفُّ فيهِ وأذوي سيفرحُ الخشّابون بجسدي/ فأُصارَ إلى عدّةِ احتمالاتٍ/ كـ أنْ أصيرَ قطعةَ بزلٍ يجمعُها طفلٌ يابانيٌّ أو الرّجلَ الرابعةَ في سريرِ عجوزٍ إنجليزيٍّ/...وقدْ يحدُثُ أنْ يفرحَ الخشّابونَ بجسدي، فأُصارَ إلى آلةٍ حدْباءَ / أقصدُ تابوتاً في فقْهِ الفقْرِ/ ونعْشاً في قاموسِ الغنى/ عندَها سأَحملُ أجسادَكمُ الباردةَ إلى مقبرةٍ لا يهمُّني اسمُها/ فبعدَ دهرٍ ستنبتونَ كأيِّ حُلُمٍ مُسَجّى في ذاكرةِ الوطن. ويكتب الناشط والشاعر السوري المقيم في القاهرة خلف علي الخلف بروح نيتشوية خالصة نصاً يقف على النهايات، وهو يقرأ الموت من زاوية أخرى: " إذا أردت الموت فلن يمنعك أحد. لا تهتم بما سيتركه موتك من أثر. فأنت ستكون ميتاً ولن تعرف شيئاً عم سيحدث بعد موتك. لا تفكر بحزن الآخرين عليك، فهذا مجرد فقاعة صابون في نهر [إن كنت جاداً] ولا بمعيشة الأسرة التي بقيت على قيد الحياة، فلم يمت أحد من الجوع لأن شخصاً في العائلة قد قرر الموت. إن قررت الموت، لا تحسب نفسك بطلا، أو جباناً، أو انهزامياً، أو يائساً، أو مؤمناً، أو كافراً.. فكل ما ستفعله هو تقديم زمن موتك قليلا". وإن كان بسام علواني وخلف الخلف تعديا الأربعين، وصار الموت بالنسبة إليهما غرضاً شعرياً تابعاً لأكثر من عرض؛ فماذا نقول لشاعر شابّ مليء بالحياة مثل الثلاثيني صدام العبد الله الذي كتب مؤخراً: " الموت لا يعرف القراءة والكتابة/ لذا لن يجد الشعراء أي فائدة/ من مكابدة الشعر في مواجهته". جداريات الشعراء السوريين هذه الأيام طافحة بالحزن واليأس، تبحث في الأرض السورية الخراب، عن موجبات لبث روح إليوت في المشهد الأدبي، ورغم تأثري الشديد بجماليات هذه الكتابة، إلا أن للسوريين حقاً على شعرائهم أن يبحثوا عن جهة البروق والأمل.