10 سبتمبر 2025

تسجيل

مبادرة بايدن لمنافسة طريق الحرير.. الدلالات والتحديات

06 يوليو 2021

عقدت قمة مجموعة السبع الكبار خلال الشهر الماضي، وناقشت موضوعات عدة، لكن كان الموضوع الأبرز على الإطلاق الذي خرجت به هذه القمة، اقتراح بايدن على المجموعة خطة عالمية عملاقة للاستثمار في البنية التحتية، يشترك فيها ما يسمى تحالف الديمقراطيات، لمنافسة مبادرة طريق الحرير العملاقة التي أطلقتها الصين في 2013. يتفق المراقبون والمتخصصون في الشأن الأمريكي، أن تحجيم نفوذ الصين المتضخم في النظام الدولي واحد من المقاصد الرئيسية التي يشترك فيها الديمقراطيون والجمهوريون، فكلاهما يختلفان بشدة في أمور عدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، بشكل قد عمق من انقسام الأمة الأمريكية. ومع ذلك، يبقى تقويض الصعود الصيني هدفا استراتيجيا أسمى لكليهما باعتباره التهديد الاستراتيجي الأعظم للهيمنة الأمريكية في النظام الدولي منذ انتهاء الحرب الباردة. لذلك، خيب بايدن مبكرا جميع التوقعات المتفائلة حول علاقات أمريكية - صينية أكثر هدوءًا، بعد حقبة غير مسبوقة من التوتر في العلاقات بين البلدين خلال عهدة ترامب الأولى. ففي غضون الأسابيع الأولى من ولايته، أعلن بايدن صراحة عن نيته تشكيل تحالف دولي من الديمقراطيات لمواجهة النفوذ الصيني، أعقب ذلك زيارة لوزير الدفاع الأمريكي أوستن إلى آسيا لإحياء ما يسمى تحالف (كواد) وتوسيعه بقصد تشكيل (ناتو آسيوي) للتضييق على الصين في آسيا. إعلان إدارة بايدن المبكر جدا والمفاجئ عن تقليص حضورها العسكري في منطقة الخليج مقابل الباسيفيك، وانسحابها غير المشروط من أفغانستان يأتي في سياق التركيز التام لإدارة بايدن على تقويض الصين مقابل شرق أوسط لم يعد ذا أهمية استراتيجية كبرى لواشنطن. تمثل مبادرة بايدن البديلة لطريق الحرير أحدث مساعي الولايات المتحدة - وليست الأخيرة - لتقويض الحضور الصيني العالمي الذي نما بشكل مطرد عبر مبادرة الحرير، فالصين قد تمكنت عبر المبادرة من تعزيز حضورها الاقتصادي في أكثر من 70 دولة بما في ذلك دول أوروبية. ومن ثم، أضحت المبادرة - رغم كونها اقتصادية - أكبر تهديد استراتيجي للنفوذ العالمي لواشنطن، ولعل ذلك ما أدركته واشنطن متأخراً بسبب غموض أهداف الصين ونواياها الحقيقية من هذا التوسع الاقتصادي العملاق، فهذا التوسع الاقتصادي سيُترجم بلا أدنى شك لنفوذ جيوسياسي وحضور عسكري وهذا ما بدأ يلاحظ بشدة في أفريقيا. وتتسق مبادرة بايدن البديلة مع نهجه العام المعلن لمواجهة الصين، والذي يستند إلى تشكيل التحالفات والنهج الدبلوماسي. وعليه، فالمبادرة - حال تنفيذها - ستشكل أهم سياسات الولايات المتحدة لتقويض مساحات النفوذ الجيواقتصادي والجيوسياسي التي حازتها الصين عبر مبادرة الحرير بشكل سلمي وهادئ، خاصة وأن الكثير من دول المبادرة بدأت تعاني مما يسمى "فخ الديون" الصيني الناشئ عن المبادرة، ودول أخرى بدأت تتشكك في نوايا الصين وأهدافها الحقيقية حول توسعها الاقتصادي عبر المبادرة. ومع ذلك، فنجاح تلك المبادرة لا يزال يواجه عقبات وتحديات جمة. أعلنت دول قمة السبع - التي اتفقت من حيث المبدأ وبشكل متردد على المبادرة - عن رصد 40 مليار دولار أمريكي لتمويل مبادرة بايدن البديلة. وهذا التمويل المرصود بالطبع لا يستطيع منافسة التمويل الصيني للمبادرة الذي تجاوز التريليون دولار أمريكي. لكن ما هو أهم أن دول القمة - رغم تضاؤل هذا التمويل - قد أعربت بشكل غير مباشر عن ترددها بشأن مشاركتها في هذا التمويل. تواجه المبادرة تحديا آخر وهو توحيد الرؤى الغربية حول منافسة الصين، ليس فقط عبر المبادرة بل عموما. فالدول الأوروبية رغم اتفاقها مع واشنطن حول ضرورة التصدي للصين، إلا أنها ليست متفقة فيما بينها حول درجة الخطورة التي تمثلها الصين عليها، وسبل تلك المواجهة. فالمواجهة الأمريكية للصين تتمحور بشكل أساسي حول المنافسة على الزعامة الدولية، بينما تنبع مخاوف بعض الدول الأوروبية من فقدان استقلالها بسبب اعتمادها المتزايد على الصين، بعض الدول الأوروبية الأخرى خاصة فرنسا مشكلتها مع الصين تتمحور حول ملف حقوق الإنسان. الأهم من كل ذلك، أن جميع الدول الأوروبية ترتبط مع الصين بعلاقات قوية وتعتمد عليها بشكل كبير في بعض الصناعات التكنولوجية، ناهيك عن الاستثمارات الأوروبية الضخمة في الصين. إذن، فأقصى ما تسعى إليه الدول الأوروبية خاصة الكبرى منها كألمانيا، تقليص اعتمادها الاقتصادي على الصين وليس تقويض نفوذ الصين العالمي، وحث الصين على تحسين ملف حقوق الإنسان خاصة ملف الإيغور كهدف ثانوي لتخفيف الضغط عليها من منظمات حقوق الإنسان الأوروبية. ويبقى تحد آخر، ويكمن في صعوبة فك ارتباطات الصين الاقتصادية عبر المبادرة التي تقدر بالمليارات في الكثير من دول المبادرة، التي من بينهما دول عديدة حليفة لواشنطن لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، تنشئ الصين في دول مجلس التعاون عبر المبادرة الكثير من الموانئ الاستراتيجية ومشروعات بنية تحتية عملاقة، ولا بديل حتى الآن أمام دول المبادرة سوى الصين التي تمتلك التمويل الكافي لتمويل مشروعات البنية التحتية العملاقة، خاصة في ظل الأزمة المالية الكبرى التي تعاني منها الدول الغربية، والشروط القاسية التي تضعها المؤسسات الغربية على التمويل والإقراض. ختاماً، يمكن القول: تمثل مبادرة بايدن البديلة خطة طموحة لتقويض مبادرة الحرير، لكنها قد جاءت متأخرة للغاية في ظل استفحال مبادرة الحرير، علاوة على ذلك تواجه المبادرة تحديات كثيرة جمة تنبئ بصعوبة تنفيذها على الإطلاق.