13 سبتمبر 2025

تسجيل

منزلة البصيرة

06 يوليو 2014

تطلق البصيرة ويراد بها النور الذي يقذفه الله في القلب، ليرى به حقيقة ما أخبرت به الرسل، كأنه يشاهده رأيَ عين، فيتحقق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرسل، وتضرره بمخالفتهم.وقد قال بعض أهل العلم: البصيرة تحقق الانتفاع بالشيء والتضرر به. وقال آخرون: البصيرة ما خلصك من الحيرة، إما بإيمان وإما بعيان.والمعنى أن صاحب البصيرة يتجاوز المحسوس البصري ، ليدرك ببصيرته ما لم يدركه أهل البصر ، فهو يرى بنور الله عز وجل . لا يفزع إذا فزع الناس عند المصائب ، ولا يغتر ويزهو إذا أنعم الله عليه ، بل هو معتدل في العطاء وفي البلاء ، منشغل عند حضور الأولى بشكر المنعم ، وعند الثانية بالصبر على البلاء والاعتقاد أن خلْفَ البلاء نِعَم تترى أو مصائب تُرفع أو معايب تستر.يقول صاحب المنازل : البصيرة ما يخلصك من الحيرة، وهي على ثلاث درجات:الدرجة الأولى: أن تعلم أن الخبر القائم بتمهيد الشريعة يصدر عن عين لا يخاف عواقبها، فترى من حقه أن تؤديه يقينا، وتغضب له غيْرةً.ومعنى كلامه: أن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم صادر عن حقيقة صادقة، لا يخاف متبعُها فيما بعد مكروها، بل يكون آمنا من عاقبة اتباعها، إذ هي حق، ومتبع الحق لا خوف عليه، ومن حق ذلك الخبر عليك أن تؤدي ما أُمِرت به منه من غير شك ولا شكوى، والأحوط بك والذي لا تبرأ ذمتك إلا به تناولُ الأمر بامتثالٍ صادر عن تصديق محقَّق، لا يصحبه شك، وأن تغضب على من خالف ذلك غيرة عليه أن يضيع حقه، ويهمَل جانبه.وإنما كانت الغيرة عند شيخ الإسلام من تمام البصيرة لأنه على قدر المعرفة بالحق ومستحقه ومحبته وإجلاله تكون الغيرة عليه أن يضيع، والغضب على من أضاعه، فإن ذلك دليل على محبة صاحب الحق وإجلاله وتعظيمه، وذلك عين البصيرة، فكما أن الشك القادح في كمال الامتثال معْمٍ لعين البصيرة، فكذلك عدم الغضب والغيرة على حقوق الله إذا ضُيِّعت، ومحارمه إذا انتهكت معمٍ لعين البصيرة.