04 نوفمبر 2025
تسجيلتمثل السياسات الاقتصادية المحافظة خيارا إستراتيجيا لصناع القرار في عمان، الأمر الذي يتجلى بشكل واضح وجلي في أحدث إحصاءات البنك المركزي العماني. من بين أمور أخرى، أشار تقرير البنك المركزي العماني بأن الناتج المحلي الإجمالي (GDP) للسلطنة نما بنسبة 2.8 بالمائة في عام 2013 مقارنة مع 11.5 بالمائة في 2012 بالأسعار الجارية أي دون المعدلة لعامل التضخم. يرتبط تراجع النمو بشكل رئيسي بتسجيل نسبة نمو متواضعة قدرها 2.3 بالمائة في إنفاق موازنة السنة المالية 2013 قياسا مع 26.2 بالمائة في 2012.حقيقة القول، تعتبر النفقات العامة جوهرية للأنشطة الاقتصادية في السلطنة بالنظر للدور المحوري للدولة في الشأن الاقتصادي. دليلنا على ذلك تشكيل نفقات الموازنة العامة قرابة 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وهي من النسب المرتفعة عالميا. ويفهم من خلال تعديل الصرف بأن السلطات تستجيب بذلك للنداءات الصادرة من وكالات دولية مثل صندوق النقد الدولي ومؤسسات التقييم الائتماني فيما يخص تقييد نفقات القطاع العام بغية جعلها مستدامة وحفاظا على ثروات البلاد. ينطبق مبدأ تحاشي العيش فوفق الطاقة ليس فقط على الأفراد، بل يتعدى ذلك للمؤسسات والدول. حديثا فقط، نبه تقرير لمؤسسة ستاندرد آند بورز العاملة في مجال التصنيف الائتماني بأن المطلوب من البحرين وعمان دون سائر الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الاحتفاظ بمتوسط سعر أعلى من الأسعار السائدة في أسواق النفط لتحقيق التعادل في الموازنة العامة.يقدر حجم الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للسلطنة بنحو 80 مليار دولار، ما يعني أن الاقتصاد العماني أكبر فقط من نظيره البحريني ضمن الدول الست، دول مجلس التعاون الخليجي. مما لاشك فيه، تعتبر السعودية صاحبة أكبر اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي وتليها تباعا كل من الإمارات وقطر والكويت. من ضمن الأمور اللافتة، أدى الانخفاض الحاد في مستويات نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى شبه القضاء على الضغوط التضخمية، بدليل وقوفها عند حد 1.1 بالمائة في عام 2013 مقارنة مع 2.8 بالمائة في 2012. وفي كل الأحوال، لا يعاني الاقتصاد من ظاهرة التضخم في الوقت الحاضر شأنه بذلك شأن بقية اقتصادات دول مجلس التعاون.ينظر كثير من الاقتصاديين للتضخم باعتباره أكبر تهديد لرفاهية أي اقتصاد، بل أسوأ من البطالة. تكمن الحجة بأنه خلافا للبطالة، يؤثر التضخم سلبا على الجميع وإن كان بدرجات متفاوتة.وكانعكاس لهذه السياسة المحافظة، تم تسجيل نمو للإنتاج النفطي قدره 2.3 بالمائة في عام 2013 استمرارا للنمو المطرد وإن كان بمستويات بطيئة. بلغ إنتاج النفط في السلطنة نحو 941900 برميل يوميا في عام 2013 مرتفعا عن 918500 برميل يوميا في 2012.وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أنه تم تقدير متوسط سعر النفط العماني بنحو 105 دولارات للبرميل في عام 2013. يعد هذا الرقم مميزا لأنه يرتفع إلى حد كبير عن 85 دولارا للبرميل الذي تم استخدامه عند إعداد موازنة السنة المالية. بالمقارنة، بلغ متوسط سعر النفط العماني في أسواق النفط العالمية قرابة 110 دولارات للبرميل في 2012. من جهة أخرى، هناك مسألة العمر الافتراضي للإنتاج الهيدروكربوني على فرضية الاحتفاظ بالمعدلات الحالية. فحسب مؤسسة ستاندرد آند بورز، حافظت عمان على احتياطيها النفطي عند 5.5 مليار برميل لعدة سنوات متتالية وذلك بفضل استخدام تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط، فضلا عن الاستثمارات في مجال الاكتشافات النفطية.ويتجلى ذلك كذلك من خلال الإحصاءات المنشورة في تقرير شركة بريتيش بتروليوم للعام 2014 والذي صدر في شهر يونيو عبر احتفاظ عمان باحتياطي قدره 5.5 مليار برميل في كل من عام 2013 و2012 مقابل 5 مليارات برميل في عام 1993. ويفهم من هذا تعزيز مستوى الاحتياطي وليس العكس، رغم ارتفاع مستوى النمو النفطي سنة بعد أخرى. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى رفع مستوى إنتاج حقل مخزينة من 10 آلاف برميل يوميا إلى 150 ألفا يوميا في غضون خمس سنوات عن طريق استثمار مبلغ قدره مليارا دولار من خلال جهود تحالف دولي بقيادة شركة أوكسيدنتال الأمريكية والذي حصل على امتياز في عام 2005. نفس المبدأ ينطبق بالضرورة على لغاز الطبيعي مع بقاء الاحتياطي عند حاجز 0.9 تريليون متر مكعب في كل من عام 2013 و2012، وبالتأكيد أعلى بكثير من 0.2 تريليون متر مكعب والذي تم تسجيله في 1993.وتعزيزا للتطورات في القطاع النفطي، دخل الاقتصاد العماني عام 2014 مدعوما بتوجه شركة بي بي البريطانية باستثمار 16 مليار دولار لتطوير حقل خزان لاستخراج الغاز ضيق المكامن. وحسب العقد المبرم، سوف يحصل الجانب العماني على 55 بالمائة من صافي عوائد الحقل ما يعني بأن الاقتصاد العماني على موعد لتحقيق نتائج تخدم مختلف القطاعات الصناعية منها والخدمية. ومن الممكن توريد إيرادات للخزانة العامة من هذا الحقل بدءا من 2017.يفسر الاستقرار الاقتصادي جانبا من قدرة عمان على استقطاب تدفقات كبيرة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة، كما تجلى في تقرير الاستثمار العالمي 2014 ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) عن استمرار ظاهرة ضآلة حجم الاستثمارات والذي صدر في شهر يونيو. فحسب التقرير، بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في سلطنة عمان في عام 2013 تحديدا 1.6 مليار دولار. وهذا يعني بالضرورة تسجيل نسبة نمو قدرها 56 بالمائة أي أفضل من جميع دول مجلس التعاون الخليجي. تتصدر الإمارات قائمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة لدول مجلس التعاون الخليجي مع تدفقات قدرها 10.5 مليار دولار في 2013.باختصار، السياسات الاقتصادية المحافظة لعمان تؤتي ثمارها، لأنها توفر بيئة مستقرة للمستثمرين.