10 سبتمبر 2025

تسجيل

المعلن والمخفي في حظر «تيك توك»

06 مايو 2024

ترجع قضية حظر تطبيق «التيك توك» إلى نهاية ولاية ترامب، الذى أصدر قراراً تنفيذياً بحظره لكنه تم إبطاله من جانب المحكمة الفيدرالية. ورغم اختلاف التوجهات بين ترامب وبايدن بصورة شاسعة خاصة على صعيد السياسة الخارجية؛ إلا أن الأخير قد حذا حذو ترامب تماماً بشأن الصين بل وبصورة أعنف بما في ذلك ما أمسى يسمى «الحرب التكنولوجية» التي ابتدعها ترامب. وقد تمخض عن ذلك، ضمن ما تمخض، توقيع الرئيس بايدن في نهاية إبريل على قانون لحظر تيك توك في الولايات المتحدة، بعد موافقة مجلس النواب عليه بأغلبية ساحقة، بصورة تعكس إجماعا حزبيا قلما يحدث. لماذا يثير تيك توك كل هذا الذعر الأمريكي، رغم كونه مجرد تطبيق تواصل اجتماعي لعرض مقاطع الفيديوهات القصيرة؟!!. والذعر الأمريكي من تيك توك ينطلق من مجموعة حقائق واستنتاجات شديدة الخطورة على كافة الأصعدة فيما يتعلق بالعلاقات أو الصراع مع الصين، بما في ذلك الصراع على الهيمنة الدولية. والبداية فيما أعلنته صراحة الإدارة الأمريكية ومفاده الخطورة الشديدة على الأمن القومي الأمريكي بسبب استحواذ الصين-التي تعد مقرا للشركة- على بيانات مستخدمي التيك توك في الولايات المتحدة التي يتجاوز أعدادهم 160 مليون مستخدم. وترى الولايات المتحدة أن الصين بإمكانها استخدام هذه البيانات السرية الشخصية بصورة مختلفة كالتجسس، أو التلاعب بالرأي العام، أو التأثير على الانتخابات، أو معالجتها بطريقة معينة لاختراق مؤسسات أمنية حساسة... إلى آخره. فضلا عن ذلك، ثمة حقائق عدة غير معلنة لا تقل أهمية عن حساسية الأمن القومي الأمريكي. ينبغي النظر إلى إصرار واشنطن على حظر التيك توك من منظور الحرب التكنولوجية المستعرة بين الدولتين، والتي بدورها لها عدة أبعاد وجوانب ذات أهمية استراتيجية. أصبحت التكنولوجيا أحد الأسلحة القوية للتفوق والنفوذ في النظام الدولي، وفى إطار الشعبية العالمية الجارفة التي بات يحظى بها التيك توك. فحظره إذن في الولايات المتحدة، ثم في دول حلفاء واشنطن بعد ذلك، سيساهم في عرقلة التفوق التكنولوجي للصين بصورة كبيرة، بما في ذلك التفوق في مجال الفضاء السيبرانى، ومجال التواصل الاجتماعي. حيث تسعى واشنطن جاهدة الحفاظ على ريادتها في كل تلك المجالات عبر شركاتها مثل فيسبوك وتويتر وآبل. وعرقلة التفوق التكنولوجي للصين بكافة أبعاده، سيحرم الصين من المزايا الاقتصادية المأهولة التي تجنيها من التكنولوجيا، ويضعف قوتها الناعمة التي تنشرها عالميا بقوة بالتعويل على الوسائل التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي. كما سيضعف موقف الصين أيضا في إطار حرب التفوق في مجال «الذكاء الاصطناعي» التي تتنافس به بشدة مع القوى الغربية. وتتسابق الدول الكبرى على التفوق في الذكاء الاصطناعي بصورة محتدمة، لما له من تأثيرات رهيبة على مقومات القوة خاصة العسكرية. ولعل من الاستنتاجات الجديدة لخطورة التيك توك التي اهتدت إليها واشنطن مؤخراً وتحديدا مع بداية حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، هو دوره الخطير في عرض الحقائق كاملة خاصة للرأي العام الأمريكي. في حين يتم حجب هذه الحقائق في التطبيقات الأمريكية المنافسة مثل يوتيوب وفيسبوك على خلفية أسباب مختلفة. فالتضامن العالمي غير المسبوق مع غزة- بما في ذلك أمريكا- ضد مجازر إسرائيل في القطاع، قد ساهم تيك توك بصورة كبيرة في إذكائه بسبب عرضه لحقيقة المجازر والوضع المأساوي عموما في غزة كاملة شفافة. ومن شأن ذلك، التسبب في أضرار بالغة للسياسة الخارجية الأمريكية المنحازة لإسرائيل. فضلا عن تشويه صورة الولايات المتحدة وقوتها الناعمة عالميا. ومما لا شك فيه، أن الحراك الطلابي الأمريكي غير المسبوق في الجامعات الأمريكية المتضامن مع غزة، والمندد بالمجازر الصهيونية في القطاع. سيزيد من عزم بايدن على حظر التطبيق وغيره من التطبيقات الصينية بصورة لا رجعة فيها. لما سببه هذا الحراك الطلابي من إحراج وإرباك شديد لسياسة الولايات المتحدة التقليدية لإسرائيل، بما في ذلك قوانين «معاداة السامية».