13 سبتمبر 2025

تسجيل

نحو رواية سوريّة

06 مايو 2015

يتفهّم العارفون تأخر الرواية في جسّ نبض الواقع وقتاً طويلاً، على غير عادة الشعر الذي يستجيب لوقائع الدهر بسرعة استجابة مشاعر الجمهور، وتكاد أن تراه يهرع إلى مكان الحادث مع عدسة المصوّر، ومراسل الأخبار. وفي أحيان كثيرة يتساءل النقاد: لماذا سكت الروائيون عن حادثة كذا؟ كالانتفاضة الفلسطينية الثانية مثلاً، وقد أشبعت شعراً، وكان الجواب أن استجابة الرواية تتأخر غالباً، لأن الحدث الروائي لم ينضج بعد، ولأن الزمن الروائي لم يقفل قوسه بعد، وكثير من الروايات الشهيرة التي لامست الأحداث الكبرى كتب بعد وقت طويل، كرواية "ذهب مع الريح" للأمريكية مرجريت ميتشل التي كتبت عام 1936 وفيها أرّخت الكاتبة للحرب الأهلية الأمريكية عام 1861، ورائعة الرواية الروسية "الدون الهادئ" لميخائيل شولوخوف وتناولت الحرب العالمية الأولى وأثرها على روسيا القيصرية كتبت بعد نهاية الحرب بعشر سنوات، وعربياً نجد أن ثلاثية نجيب محفوظ التي قاربت ثورة 1919 قد صدرت بين العامين 1956 و1957 أي بعد أربعين عاماً من قيام الثورة، ولا ننسَ أن رواية العراقي الشاب أحمد سعداوي "فرانكشتاين في بغداد" التي صدرت عام 2013، فإنها لامست الحرب الأهلية العراقية عام 2006.ومع بداية الحراك السوري عام 2011 بدأت الرواية تلتقط شرارة الثورة وإحالاتها الوجدانية والمعرفية، ولم يمض العام 2012 حتى كانت رواية عبد الله المكسور "أيام في بابا عمرو" وتلته روايتا "طبول الحرب" لمها حسن، و"كان الرئيس صديقي" لعدنان فرزات، بداية عام 2013، ثم بدأت الأعمال تتالى، تسعى إلى القبض على اللحظة السورية العصيّة حتى الآن على حقول السياسة والأدب. ولئن كانت مقاربة السردي في حاجة إلى تمهّل، فقراءة الحدث الساخن، سياسياً وشعرياً وحتى قصصياً ممكنة، ولكن مخبر الرواية يحتاج وقتاً طويلاً كي يبرد الحدث، ويصبح بعيداً نسبياً لقراءته بعمق.ولهذا فالرواية السورية أمام اختبار حقيقي، وبما لديها من مواهب كبيرة وشابّة في تمثّل التراجيديا السوريّة في تحوّلاتها الحادّة وفي مآلاتها الصعبة، ولكن بعد أن يتنفّس السوريون الصعداء، بعد آخر قذيفة تسقط على الأرض.