14 سبتمبر 2025

تسجيل

هل غادر الشعراء؟

06 مايو 2014

السؤال ذاته الذي سأله عنترة قبل خمسة عشر قرناً، والذي بدأ منذ طفولة الشعر العربي، حين صرخ أحدهم :" ما أرانا نقول إلا معاداً"، برغم المكانة الحيوية للشعر العربي الذي شهرته الحروب، و فواصل السلام العابرة المسماة بالأشهر الحرم.لم تكن جائزة عكاظ ولا النصوص الشهيرة قادرة على معالجة التراكم الإبداعي الذي وصل بالشعر إلى أنساق مستنسخة فقد براءة الشعر الأولى، ويبدو أن نزول الإسلام بلغة جديدة (لغة القرآن الكريم) وثقافة مغايرة، قد أنقذ الشعر العربي من إعلان إفلاسه، فقد سكت الشعر العربي وهدأ عنفوانه قرابة نصف قرن، كان فيها البيان الجديد مثار اهتمام وجدل وبناء وإنتاج، كان البيان القديم فيه معياراً لفصاحة، وشاهداً وخادما.وما إن ترحلت الدولة الممتدة نحو الأمصار المفتوحة، وخالط العرب العجم، وتركوا جزيرتهم، حتى بدأت القبائل في البصرة والكوفة ودمشق والأندلس، تتلمّس حياة جديدة لبيانها القديم، في الهجاء (المسرحي) ومديح الخلفاء، والغزل، وهو ما أجمله الفارابي بالنَّهم والكُدية.ولكن حركية التاريخ الغامضة كانت تشهد فصلاً جديداً لموات الشعر بثوبه الرسمي، رغم اتساع مداه، وتجويد شعرائه، فقد غادر الشعر جمهور الغاوين إلى فنون أرحب، تجمعت كمزيج لثقافات متعددة، وسرى مصطلح ( العامّة والخاصّة)، وبات الشعر الرسمي حبيس قصور الخلفاء والوزراء والولاة، وبدأت تتخلق ألوان جديدة من الأدب تجد فيها العامة ذاتها، كالمقامة مثلاً. قبل أن ينفرط عقد الأمة والشعر معاً سنوات مديدة. يجب أن ننصف مرحلة اللامركزية والإمارات المتناثرة التي استعادت دور القبيلة الجاهلية في نهوض شعريات عالية، كالمتنبي. شهد القرن التاسع عشر في أواخره مناخاً صالحاً لقصيدة اختزلت الشعر العربي في قممه واستطاعت تمثل عبقرياته بنصوص جديدة واكبت الروح العربية الناهضة من رقدة القرون الماضية، وساعفتها الحداثة الأوربية بمدها بنسغ جديد، ظهرت ثماره في الجيل الثاني مع الربع الأول من القرن العشرين.ولكن سؤال عنترة ظل قائماً، مع خفوت روح النضال العربية، وتداعي البنى القومية التي وضعت لبناتها أجيال الآباء في القرنين الماضيين، وولادة أشكال متعددة لفنون التهمت الكفاءات الإبداعية من جهة، وأخذت الجمهور الشعري إلى غواياتها.في الربيع العربي بحثنا عن قصيدة جديدة، قصيدة تهدّ وتبني، وتزيل الغبار عن العادي والمكرور والنمطي، قصيدة تتجاوز، وتعود إلى قارئها القديم، ابن القبيلة أيام طرفة بن العبد، وابن المدينة الذي يحضر أمسية أحمد شوقي أو عمر أبو ريشة ويتفاعل معها، قصيدة تغادر صومعتها في جريدة أو موقع أو ديوان طبع منه خمسائة نسخة.. إلى جمهور يغنيها، ويستشهد بعبارات منها.خيبات الربيع الكثيرة حافز للأدب، ولطالما هزّت المآسي ضمائر الكتاب، فغادروا أفقهم إلى آفاق جديدة، وهذا ما نعوّل عليه في هذه الأيام.